Officine Panerai : أسطورة من عالم الوقت

لدار Officine Panerai قصة فريدة من نوعها في تاريخ صناعة الوقت العصرية: فالبدايات كانت «غامضة»، مقتصرة على إنتاج الساعات العسكرية للغطاسين في ثلاثينيات القرن الماضي، علماً أن الدار لم تبدأ بإنتاج آلات الوقت المعروفة اليوم «للعموم» إلا في التسعينيات. وفي خلال عقدين من الزمن استطاعت أن تأخذ لنفسها مكاناً بين إصدارات الدور الأكثر قرباً إلى قلوب الجمهور والجامعين.

كم من الوقت تحتاج سلعة ما لتستحق لقب «القطعة الأيقونية»؟ لم يحتج هاتف iPhone لأكثر من سنتين، ولكن ذلك يُعتبر استثناءً. معظم الأشياء تحتاج إلى فترة أطول: ساعات Calatrava من Patek Philippe، وReverso من Jaeger-LeCoultre وCartier Tank لزمها حوالي ثمانية عقود من الزمن لتصل إلى تلك المرحلة، ولكن في قطاع صناعة الوقت هناك أيضاً استثناء: مجموعات Luminor وRadiomir من Officine Panerai اللتين اكتسبتا لقب الأيقونة خلال عشر سنوات فقط، كما أن الأسلوب الذي اعتمدته الدار جعل حكاية هذه الساعات «أسطورية» بكل ما للكلمة من معنى.

لقد كان التوقيت مثالياً، فإطلاق الدار عام 1993 تزامن مع عودة الساعات الميكانيكية بقوة إلى الساحة بعد ما سُمّي في القطاع بأزمة الكوارتز. ومع أن القطع الأولى التي تحمل توقيع Panerai كانت قد ظهرت في أواخر الثلاثينيات، أي في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية، إلا أن نشاط الدار منذ تلك الفترة وحتى تاريخ شرائها من قبل مجموعة Richemont في أواخر التسعينيات، اقتصر على عدد قليل (لا يتجاوز بضع مئات) من الساعات العسكرية. ومن ثم أتت مجموعات Sly, Arnie, Daybreak, Richemont, Rappers وPaneristi.

إن انطلاقة Officine Panerai في التسعينيات وضعت هذه الدار بين صفوف الماركات الأكثر شعبية، فإذا وضعنا جانباً تاريخها المرتبط بالعسكرية وبالقوات البحرية، نجد أن «الطابع العسكري الأنيق» ليس العامل الوحيد الذي أوصل الدار إلى هذه الحالة من الشهرة، بل أن بعض نجوم هوليود «المفتولي العضلات» كانوا أيضاً من المساهمين الأساسيين في ذلك، في فترة كان فيها إنتاج الساعات الضخمة من هذا النوع يُعتَبر شديد الغرابة، وقمة في الجرأة. لذلك يمكننا الإعتقاد أن هذه الدار قد أسست لفئة الساعات ذات الحجم الأكبر من 40ملم، والتي أصبحت اليوم بمثابة توجه عام للساعات الرجالية، كما أن عدداً كبيراً من النساء لا يستطعن مقاومتها.

من جهة أخرى، إن انحسار بيع ساعات الدار في السوق الإيطالية (قبل انضمامها إلى مجموعة Richemont ومن ثم إلى مجموعة Vendôme) لم يقلل من أهميتها وسرعة انتشارها، لأن التأثير الإيطالي في قطاع صناعة وتجارة الساعات الراقية سرعان ما بدأ يبدو ملحوظاً خارج حدودها. فبعد أن كان الجامعون الإيطاليون يعبّرون عن شغفهم الكبير بساعات Rolex “Paul Newman” Daytona، وCioccolatone من Vacheron Constantin من خلال سعيهم وراء اقتنائها، أتت ساعات Panerai لتشكل ساعات Panerai هدفاً جديداً لهم، بخاصة كونها أبصرت النور في مدينة فلورنسا الإيطالية من ناحية، ومن ناحية أخرى كونها تتمتع بتاريخ نبيل، ما يجعلها تحظى بالاهتمام والإعجاب من قبل محبّي الأناقة، وهواة الساعات البسيطة والعملية على حد سواء.

مع أن أسلوب Panerai أصبح اليوم كثير الإنتشار، وتم استنساخه من قبل الكثير من الدور، إلا أن الدار الإيطالية ما زالت تُعتبر المصدر الأهم والأساسي لهذه العلب والموانئ المميزة، ما زالت تتفرّد بأسلوب الإنتاج هذا الذي أصبح بمثابة توقيعها الخاص. وبالرغم من المحاولات الكثيرة لعدد كبير من منتجي ساعات الغطاسين لابتكار أنظمة أكثر فاعلية لحماية تاج الساعة من جهة، ومن القصص العديدة التي اخترعوها بهدف تضليل الجمهور بالنسبة إلى العلاقة الوطيدة بين Officine Panerai والقوات البحرية الإيطالية من جهة أخرى، حتى أنهم حاولوا التفوّق على ساعات الدار من ناحية وضوح الأرقام والمؤشرات والعقارب، إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، وهم لم يستطيعوا إقناع الخبراء بما أرادوا.

إن ساعات Panerai لم تكن بحاجة إلى تحسينات في الشكل، أو تعديلات في قصتها وتاريخها، فهي قد استطاعت المضي بعيداً في مسيرة نجاحها حتى قبل أن يقرر فريق عملها التسويقي الحالي إضافة كل ما أمكن من التعقيدات ومن ضمنها التوربيون والدقائق التردادية، على النماذج التي كانت تقتصر وظائفها على قراءة الساعات والدقائق فقط.

من خلال الإنتقال من ساعات Radiomir ذات القطر البالغ 47ملم، المزوّدة بالتاج المصمم على شكل «بصلة»، ومن دون نظام تثبيت للوصلات المعدنية الرفيعة، ولكن المتينة، التي كانت الدار تنتجها في الثلاثينيات، إلى ساعات الكرونوغراف النموذجية Mare Nostrum التي أبصرت النور عام 1943، أثبتت Officine Panerai أن المتانة والصلابة هي في أولوياتها خلال عمليات إنتاج قارئات الوقت التي تحمل اسمها، حتى أنها في الفترة الممتدة بين أواخر الأربعينيات ونصف الستينيات، أطلقت ساعات أضخم حجماً، مجهزة بالعلب التي تبدو اليوم مألوفة بالنسبة إلى مالكي ساعات Luminor وMarina Militare.

بعد ذلك، استبدلت الدار تلك الوصلات الرفيعة بأخرى أكثر صلابة، كما أن الدار كشفت عن نظام حماية التاج الخاص بها الذي حصل على براءة اختراع، ليصبح بعد ذلك أحد أهم تواقيع الدار. وهو ما يزال حتى اليوم يُعتَبر من الأجزاء المهمة والعملية في ساعات الدار، تماماً كسوار flip-lock في ساعات Rolex، وتقنية العلبة ذات الوجهين القابلة للدوران لساعات Jaeger-LeCoultre Reverso، والبراغي التي تزيّن إطار ساعة Audemars Piguet Royal Oak.

بوجود هذا التاريخ الزاخر، ومتحفها المليء بالقطع التاريخية الأصلية التي كانت ذات دور أساسي في نجاح الماركة، تصر الدار اليوم على ربط موديلاتها الجديدة بالنماذج القديمة، حتى بالساعات التصوّرية النموذجية مثل Mare Nostrum. من جهة أخرى، وعلى سبيل المثال، ميناء California dial الذي يجمع بين الأرقام الرومانية والأرقام العربية على غرار ميناء Bubbleback لدار Rolex، وقد عُرف كلاهما في فترة الثلاثينيات، يعود اليوم إلى الواجهة من خلال النماذج الجديدة المزوّدة بعلبة Radiomir، حيث تبدو هذه الساعات مستوحاة من إرث الدار، وعصرية في الآن نفسه. وبالرغم من تميّز علبة Radiomir المخددة، نرى أن علبة Luminor Marina Militaire إلى جانب نظام حماية التاج، قد استطاعت أن تطغى عليها، بشكل كبير حتى أن الدار بإمكانها اليوم أن تصدر هذه الساعات حتى من دون أن تضع إسم Officine Panerai على الميناء، وهي ستظل معروفة بالنسبة إلى محبّي الدار. من الممكن أن يبدو ذلك «تكبّراً»، ولكن يمكنه بوضوح أن يظهر إلى أي مدى أصبحت العلب الخاصة بالدار نموذجية، وذات أهمية كبرى في القطاع، ويعطي فكرة عن تميّزها وعن فرادتها.

إن النماذج الجديدة المستوحاة من ساعات Radiomir California من إنتاج الثلاثينيات أتت بموانئ متشابهة جداً، وبفروقات شديدة الصغر، إلى درجة أن الناظر إليها، من غير الخبراء في ساعات الدار والمتحمسين لها، لا يمكن أن يلاحظ هذه الفروقات من المرة الأولى. كما تتضمن هذه الساعات الجديدة بعض الملامح التي لم تكن موجودة في النماذج الأولى التي رافقت الإنطلاقة الجديدة للدار في التسعينيات. أما النماذج الجديدة المستوحاة من ساعات الأربعينيات فقد أتى عدد منها بعلب مصوغة من الذهب، أو ميناء فرعي للثواني الصغيرة موضوع عند الـ 9، بينما تميّزت ساعات Radiomir S.L.C. بمؤشراتها التي لا تتعدى النقاط الصغيرة من حيث الحجم.

أما نماذج الخمسينيات، مصدر إلهام ساعات مجموعة Luminor Marina الجديدة، فهي كانت بعيدة من حيث التصميم عن ساعات Radiomir، وقريبة من تصاميم ساعات الجيب التي تم تحويلها إلى ساعات معصم منذ أكثر من مئة سنة، وذلك من خلال إضافة الوصلات المعدنية التي تم تلحيمها عليها لتصبح قابلة للارتداء على الرسغ. ومع أن علبة Luminor أصبح عمرها أكثر من ستة عقود، إلا أن الدار لم تجد صعوبة في جعلها تليق بالقرن الواحد والعشرين.

إذا وضعت جنباً إلى جنب أي ساعة من مجموعة Radiomir أو Luminor مع النموذج القديم الذي يشكل مصدر الإلهام لإنتاجها، يمكنك فوراً أن تلاحظ نقاط التشابه بينها، تماماً كمثال سيارات Porsche 911 التاريخية منها والعصرية، لا بل أنها تتشابه فيما بينها أكثر من السيارات. وبالرغم من كون الساعات الأحدث من مجموعة Luminor 1950، أو نماذج Tuttonero السوداء بالكامل، أو ساعات Black Seal بعلبها المصنوعة من السيراميك، تتميّز من حيث التصميم والوظائف والمواد المستعملة في صناعتها، إلا أن روحية الدار ظاهرة تماماً فيها، ولا يمكن التغاضي عنها.  فلا يمكن للدار أن تحدث تعديلات أساسية على تصميم العلبة في الوقت نفسه مع التعديلات التي أجرتها على المواد، لأن ذلك من الممكن أن يبعد ساعاتها بشكل دراماتيكي عن قلوب جمهورها، ومن الممكن وصف هذه الحالة بالانتحار التجاري.

من ناحية أخرى، من الممكن لبعض التعديلات والتجديدات التي تقوم بها الدار في إنتاجها أن تثير العجب وربما الإستنكار لدى شريحة من الجمهور. فهم قد يستغربون وجود الجهة الخلفية الشفافة لساعات الدار، كما قد يجدون أن المؤشرات الماسية ليست مناسبة لساعات الغطاسين، وأن ساعات Panerai لا يجب أن تصاغ من الذهب. ولكن هذه التغييرات بذاتها من الممكن أن تثير إعجاب شريحة أخرى من «المتحمّسين جداً» للدار الشغوفين بكل أعمالها مهما تنوّعت.

إن حكمة Officine Panerai من ناحية صناعة الآليات الخاصة بساعاتها في مشاغلها أمر لا شك فيه، أما صناعة التعقيدات فهي بمثابة مجال يجب على كل دار أن تخوضه للتعبير عن تقدّمها في الإنتاج من ناحية، ولتثير فضول وإعجاب جمهورها المتحمّس من ناحية أخرى. فبالنسبة إلى Panerai، وبالرغم من «عدم الجدوى» إذا صح التعبير، من الممكن وضع آلية توربيون في ساعة مخصصة للغطاسين.

إن إنتاجات Panerai مرغوبة من قبل الجامعين ومحبّي الموضة والأناقة على حد سواء، من قبل أولئك الذين بدؤوا بشراء قطعهم قبل أن تحقق الدار انتشارها وتصبح معروفة بشكل واسع، وأولئك الذين اكتشفوها مؤخراً خلال مشاهدتهم لفيلم The Transporter على DVD، حيث كانت إحدى ساعات الدار على معصم بطل الفيلم، النجم البريطاني Jason Statham. فهذه الساعات لم يعد جمهورها محدد يقتصر على الضباط والجنود في البحرية الإيطالية، أو على جماعة من محبّي الساعات العسكرية الذين كانوا يسعون للحصول عليها في الثمانينيات والتسعينيات، كما وكانت من أهدافهم أيضاً ساعات Blancpain Fifty Fathoms  وBreguet Type XX.

لا شك أن عملية جمع ساعات Panerai أسهل من الحصول على ساعات نادرة من Rolex على سبيل المثال. فإصدارات Panerai تُقسم إلى ثلاثة أجزاء، الجزء الأول يتضمن الساعات الأولى من إنتاج الدار بين الثلاثينيات والخمسينيات، الجزء الثاني يتألف من الساعات المستوحاة من النماذج القديمة، والتي قامت الدار بصناعتها بعد عودتها إلى الحياة أي في الفترة الممتدة بين العامين 1993 و1998، وصولاً إلى الموديلات التي أطلقتها منذ ذلك الوقت حتى اليوم، أي بعد انضمامها إلى مجموعة Richemont. القطع الأعلى قيمة هي من دون ريبة الساعات الأقدم والأكثر ندرة كونها كانت تُنتج بكميات محدودة جداً، فالقطع التي استطاعت أن تصمد وتحافظ على وجودها وهي على معاصم الجنود خلال المعارك والحروب غالباً ما نجدها اليوم معروضة في المزادات، وتبدأ أسعارها بما يقارب 40,000 دولار أميركي، بينما تتخطى أسعار القطع الأكثر ندرة منها والتي تتمتع بحالة جيدة المئة ألف دولار أحياناً.

والجدير بالذكر أن بعض الموديلات المصنوعة خلال التسعينيات تقارب من حيث القيمة تلك القطع النادرة، ونذكر بخاصة ساعات Slytech التي حظيت بشعبية واسعة جداً كونها كانت تُصنع للنجم Sylvester Stallone، الساعات المخصصة للأشخاص الذين يستعملون يدهم اليسرى، والنماذج ذات العلب السوداء PVD، إضافة إلى الساعات «الإنتقالية» إذا جاز التعبير، التي قامت الدار بإنتاجها في الفترة التي انتقلت فيها ملكيتها إلى Richemont، أي بين العامين 1997 و1998.  والملفت أن القطع الأغلى ثمناً اليوم في السوق، هي من هذه الفئة الأخيرة، بخاصة ساعة Radiomir PAM21 بالعلبة البلاتينية التي تعمل بواسطة حركة من إنتاج Rolex، هذه الساعة تم إنتاجها بكمية محددة بـ 60 قطعة فقط، ويتم تداول قطعها اليوم بما يقارب 200 ألف دولار أميركي.

أما الساعات التي تنتمي إلى الفئة الثالثة، أي المنتجة بعد العام 1998، فهي موجودة بكثرة في السوق، وتوازي بأسعارها أسعار الساعات الراقية الأخرى.

أما النصيحة التي نود إعطاءها للراغبين في جمع ساعات Panerai، فهي الحرص على شراء ساعاتهم من المزادات المعروفة بمصداقيتها، فساعات الدار تتقاسم أمراً إضافياً مع Rolex ومع عدد كبير من آلات الوقت القيّمة، وهو كونها معرّضة للتزوير بشكل لا محدود.

إعداد: كن كسلر

مجلة عالم الساعات والمجوهرات- عدد 115

كلمات مفتاحية

مقالات ذات صلة