الجمشت الأرجواني …عشق الآلهة وزينة الملوك

 

من وهج الشمس استوحى لونه ومن فرادة الطبيعة إكتسب شكله الفريد… إنه حجر الجمشت الأرجواني بلونه الملكي الذي سحر الأعين وأسر الأنفس، فبات هدف التجار وزينة الملوك وأيقونة المجوهرات، متنقلاً من جيل إلى جيل ليبقى متربعاً على عرش الأحجار الكريمة كالأغلى قيمة والأكثر ندرة وبريقاً.

بدأت قصة الجمشت الأرجواني أو كما يُعرف باللغة اللاتينية Amethyst لدى أهل الحضارة الإغريقية، حين كانت الشابة الجميلة Amethyst ترفض حب إله الإغريقيين ديونيسوس، فقرر هذا الأخير الإنتقام منها كونها لم تبادله الحب. لكن الشابة طلبت من إلهة العفة آرتيمس أن تحميها من شر الإله ديونيسوس، وسرعان ما لبّت طلبها وحوّلتها إلى تمثال من الكوارتز، وما إن رأى الإله هذا الأمر حتى شعر بالحزن وبكى ندماً على تمثال Amethyst الذي تحوّل لونه إلى الأرجواني.
أما الرومان، فلهم أسطورتهم الخاصة المشابهة إلى حد كبير لأسطورة الإغريقيين، حيث إن الشابة Amethyst الجميلة، مرّت عن طريق الصدفة أمام ناظريّ الإله باخوس الذي كان ينوي إطلاق النمور على الشخص الأول الذي يمر أمامه. وعلى الفور، نادت الشابة إلهة القمر، ديانا، لتنقذها من النمور الجائعة، فلبّت الإلهة صلاتها وحولتها على الفور إلى تمثال من الحجر الأبيض، وما إن رأى الإله ما حل بالشابة، سارع إلى التمثال وسكب شرابه عليه كتعبير عن ندمه الكبير، فتحوّل التمثال الى اللون الأرجواني.
هذه الأساطير التي رافقت حجر الجمشت أكسبته أهمية كبرى في التاريخ القديم والمعاصر، خصوصاً لما يحمله من رموز روحية وفوائد صحية وقدرات سحرية آمن بها العديد من الشعوب القديمة.
فوفق التفسير الميتافيزيقي، يرتبط حجر الجمشت الأرجواني بروح الإنسان، فيعكس عمق تفكيره وصفاء ذهنه، مما يساعده على التأمل بشكل أفضل، والحصول بالتالي على نظرة أكثر واقعية للأحداث التي تحصل. وانطلاقاً من هذا المعتقد السائد، اعتمده سكان التيبت كنوع من التكريم المقدس لبوذا فصنعوا له المجوهرات الفاخرة وزينوا أواني الصلاة وجمّلوا تماثيله بهذا الحجر الثمين. وفي العالم القديم، صنّف الجمشت على أنه أحد الأحجار الكاردينالية الخمسة الفاخرة المعروفة في القطاع بأنها الأكثر قيمة والأقرب إلى القلوب، وهي الماس والزمرد والياقوت والسافير والجمشت الأرجواني.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى آمن الكثيرون أن الـAmethyst يساعد في نمو المحاصيل الزراعية ويحميها من الجراد، في حين وجد فيه الصيادون الحجر الحامي في الحروب وجالب الحظ في رحلات الصيد، أما السحرة والمشعوذون فوجدوا فيه القدرة على طرد الأرواح ومنح الأفراد الإلهام المذهل. ومن الناحية الصحية، يعتقد الكثيرون أن هذا الحجر يساعد على معالجة أمراض كثيرة، ويخفف من آلام الصداع والظهر، كما أنه يشفي من لدغات الحشرات السامة. ولا ننسى فوائده الجمالية لتنعيم البشرة وتجميلها.

الجمشت والملوك… قصة حب أبدية
نمت على مر العصور قصة حب وطيدة ربطت هذا الحجر الثمين بالعروش الحاكمة في مختلف أنحاء العالم، فمنه استوحى الملوك والملكات زينة حليهم وألوان ملابسهم. في بريطانيا، اعتُمد الجمشت الأرجواني في تصميم التاج الملكي، فالملكة فيكتوريا هي أولى من حظيت بمجموعة متكاملة من المجوهرات المرصعة به، في حين ارتدت الملكة إليزابيث الثانية المجموعة عينها في العام 1984 خلال زيارتها إلى البرتغال. كما أنه شكّل حجر الرقي والرفاهية بالنسبة إلى فراعنة مصر القديمة، هذا وأوفدت الإمبراطورة الروسية كاثرين العظمى العمال للتنقيب عن أحجار الجمشت الأرجواني في جبال الأورال لكثرة شغفها بها. إلى جانب ذلك، قدّمت الإمبراطورة السويدية جوزفين مجموعة مجوهرات مزينة به لزوجة إبنها، أوغوستا، في سبعينيات القرن الماضي، ولا يزال هذا الحجر الأكثر تفضيلاً لدى وريثات العرش السويدي.
هذا على الصعيد التاريخي والأسطوري، أما من الناحية العلمية فيتم تعريف الجمشت على أنه نوع من أنواع الكوارتز وهو ينتج عن تفاعل الكوارتز مع ثاني أكسيد الكاربون تحت تأثير عوامل طبيعية مختلفة. وتبعاً لما كشفه العلم عن اللون الأرجواني للحجر، فهو ينتج بفعل توافر مادة الحديد فيه، التي تكسبه مزيجاً من الألوان بدءاً من الأرجواني، وهو الأكثر شيوعاً، مروراً بالأحمر الفاتح والأصفر الداكن، وصولاً إلى البنفسجي. والعامل الأساسي لتغير لون الجمشت هو «الحرارة»، التي قد تحوله في بعض الأحيان إلى اللون الأخضر. ومع حرارة تفوق 250 درجة مئوية، يكتسب الجمشت اللون الأصفر الداكن أو البني الفاتح، وإن ازدادت الحرارة عن 400 درجة، يفقد الحجر الفاخر لونه المميز، كما أن تعرضه للشمس لمدة طويلة من الممكن أن يحوله إلى الأبيض.
أما تصنيع الجمشت، فهو عبارة عن عملية سهلة، حيث تتم إضافة مادة الحديد إلى النوع الطبيعي من الكوارتز في فترة تكوّنه، ومن ثم تعريضه لأشعة جاما أو أشعة أكس. والجدير بالذكر أن أحجار الجمشت السايبيري، ذات اللون الأرجواني الداكن، هي الأغلى ثمناً، بفضل لمعانها وتوهّج بريقها، وكلما كان لون الجمشت داكناً، كلما ارتفعت قيمته وزاد ثمنه.
وعن مصادر استخراج الـ Amethyst فأكبر المصدرين له هي كوريا الجنوبية، في حين أن روسيا تصدر الجمشت الأحمر، وكندا تنتج الجمشت الأرجواني. والمصادر الأخرى لهذا الحجر المميز هي الولايات المتحدة، البرازيل، الأوروغواي، ألمانيا، سريلانكا، مدغشقر والهند.

الجمشت… قيمة نادرة في الدور العالمية
ولأن هذا الحجر نال حظوة كبيرة لدى الملوك والملكات، كان لا بد لدور المجوهرات العالمية من الإستعانة به لتصميم أفخر المجموعات الفخمة. فدار Tiffany & Co. صممت خاتم Tiffany Sparklers المرصع بحجر ضخم أرجواني اللون، وانضمت إليها دار Dior التي صممت طقم Rose Dior Pré Catelan من المجوهرات المرصعة بالجمشت، إلى جانب خواتم وقطع أخرى مزيّنة بهذا الحجر الفاخر، إلى جانب ساعة فريدة الإصدار من مجموعة Dior VIII Grand Bal مجهزة بحركة مقلوبة Dior Inversé وقد تم ترصيعها بالكامل بأحجار الجمشت الأرجواني. هذا ولا ننسى عقد Emprise المميز من تصميم دار Louis Vuitton، وأقراط Ama من Boucheron بلونها البنفسجي الرائع، كما سحرت دار Bulgari جميع عشاق المجوهرات حين قدمت لهم سوار MVSA المميز بقطع الجمشت البراقة واللامعة بلونها البنفسجي الساحر. ومن أجمل هذه المجوهرات التي تم تصميمها من قبل الدور العالمية هو عقد Cartier على شكل عصفور صغير Fauna and Flora الواقف في قفصه فاتحاً جناحيه إلى الحرية، كما زيّنت دار De Grisogono ساعة Grappoli بهذه الأحجار بالكامل. ولا تخلو اللائحة من التصاميم الأخرى المبتكرة التي جعلت هذا الحجر هدفاً لجامعي الأحجار الكريمة.
بلونه الأرجواني المميّز، يُعتبر الجمشت الأرجواني حجر مواليد برج الحوت الذين أبصروا النور في شهر شباط، وهو رمز للصداقة العميقة وتجسيد للثقة الكبيرة التي تجمع الحبيبين ودليل صفاء القلوب. كما يقال أن حجر الجمشت هو انعكاس لكوكب نبتون على كوكب الأرض.

مجلة عالم الساعات والمجوهرات – عدد 115 

إعداد: ماري حصري

كلمات مفتاحية

مقالات ذات صلة