لغز المجوهرات وسرّ الحضارات… إنه الزبرجد الذي أثار حيرة العلماء ومصممي المجوهرات نظراً للونه الأخضر الباهر، فحسبه البعض زمرداً في حين خاله الآخرون من أحجار اليشم jade. نادرٌ بالفعل، وثمين القيمة، غنيّ الخصائص، دارت حوله الأساطير واغتنت منه الشعوب وتجمّلت به الملكات وتزيّنت به العروش.
على مر العصور شكّلت الأحجار الكريمة جزءاً لا يتجزأ من أهم الرموز الخاصة بالشعوب القديمة، وكانت الكنز الدفين الذي يحرسه الشعب حفاظاً منه على الثروات الأرضية التي تختزنها التربة، وإيماناً منه بأنها تحمي أوطانه وتبقي الآلهة سعيدة.
حجر الزبرجد أو Peridot كما يعرف باللاتينية هو أحد الأحجار الكريمة النادرة، وهو من الجواهر الأكثر قدماً، حيث يعود تاريخ استخراجه من المناجم إلى العام 1300 قبل الميلاد. وقد سميّ بالزبرجد نسبة إلى جزيرة زبرجد التي تعرف اليوم باسم جزيرة سانت جونز، وتقع في البحر الأحمر جنوب مصر. تأثرت الحضارة المصرية القديمة بمعتقدات عديدة ومختلفة حول حجر الزبرجد، الملقّب بحجر الشمس، وهو الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالنور وأضحى الحجر الوطني لهذه البلاد، فكان الشعب في تلك الحقبة مرغماً على جمع الـ Peridot لإثراء ثروة الفرعون الحاكم وكنزه، وفي أواخر القرن التاسع عشر، كان الخديوي في مصر هو الحاكم الرئيس على المناجم المنتجة لهذا الحجر الكريم الأخضر. لذا تعتبر مصر، وتحديداً جزيرة الزبرجد، أحد أقدم الدول المنتجة للحجر الأخضر.
كما ولهذه التسمية اللاتينية أصل عربي، كلمة «فريدة» التي كانت تعني في العصور القديمة «الحجر الكريم» ولكن لا تقف التسميات عند الحدود المصرية فحسب، ففي اللغة الفرنسية القديمة كان يُطلق على الزبرجد إسم Peritot.
وإن إنتقلنا إلى الأساطير التي تُروى حول هذا الحجر فسنجد تلك المرتبطة بتاريخ الجزيرة البركانية في البحر الأحمر وهي المصدر الأساسي له، إذ يروي السكان القدامى أن الجزيرة كانت تقطنها الأفاعي وتهدد حياة الناس، لكن الفرعون بقوة الزبرجد تمكّن من التخلّص منها. كما أن أسطورة أخرى تروى في هذا الإطار، تشير إلى أن الحراس الغيارى على الجزيرة كانوا ينزلون أشد عقاب بمن يحاول التسلل إلى هذا المكان بهدف الحصول على كمية من هذه الأحجار المتوهّجة باللون الأخضر.
لطالما أثار هذا الحجر حيرة العلماء والمنقّبين عن الأحجار الكريمة في الماضي نظراً للونه، فالعديد من مجوهرات الملوك والملكات المزيّنة كان يُظَن أنها مرصّعة إما باليشم أو الزمرد، ومن هنا يسري الإعتقاد أن مجوهرات الملكة كليوباترا لم تحمل الزمرد الأخضر إنما الزبرجد، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مقتنيات الفرعون المصري توت عنخ آمون. أما كرسي النبي سليمان ذو النخلات الأربع، والمخصص للجلوس بين الناس، أيضاً تمّ تزيينه بأحجار الزبرجد الفاخرة بلونها الأخضر، لتتألق بجانب أحجار الياقوت الحمراء المتوهّجة. وفي مصر أيضاً، استعمل الزبرجد في حرفة الصياغة بالخرز، فصنعوا منه الحليّ الرائعة التي جذبت الأوروبيين في القرون الوسطى، فنقلوا معهم هذا الحجر الكريم إلى بلادهم، ومن هناك بدأت التصاميم الباهرة تسحر الأنظار، فعروش الأباطرة الروس وتيجانهم أيضاً حملت الحجر عينه.
ولا تقف شهرة الزبرجد عند حدود نهر النيل، بل إن الحضارتين الإغريقية والرومانية العريقتين خصّتا هذا الحجر بأهمية كبرى فعرف لدى كل منهما بزمردة المساء وجوهرة الشمس، واستخدموه في تجميل حليهم وأوانيهم ومقتنياتهم.
وقيمة الحجر موضوعنا لم تنتهِ عند هذا الحد، بل إنها أثارت اندهاش السلاطين العثمانيين، فاستعملوه لتشكيل أكبر مجموعة من الأحجار الكريمة في العالم، وهي متواجدة في قصر Topkapi في اسطنبول الذي يحتوي على عرش تاريخي خشبي مرصّع بـ957 حجراً من الزبرجد، كما واستخدم هذا الأخير أيضاً في تزيين عمائم السلاطين وصناديق المجوهرات الموجودة في القصر.
على صعيد إنتاج الزبرجد، فإلى جانب مصر، كانت بورما من الدول الأكثر تصديراً له، ولكن مع تحوّل الحكم فيها في العام 1962، إلى حكم منغلق، قلّت الواردات كثيراً، ولم تعد من المصدّرين الرئيسيين له. وبرزت على الساحة في المقابل كل من المغرب والسودان والصين والهند وقبرص واليمن وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة الأميركية ومدغشقر والبرازيل وأستراليا وماليزيا والنروج وأفغانستان وباكستان وروسيا ونيجيريا والمملكة العربية السعودية.
إعداد : ماري الحصري
مجلة عالم الساعات والمجوهرات عدد 117