من الأسلوب الذي تعتمده الرخويات لحماية أصدافها من الداخل يستوحي عدد من صانعي الوقت، فيستعملون المادة نفسها، أي عرق اللؤلؤ، لصناعة وجوه ساعاتهم الجميلة.
ليس هناك أي حدود للتميّز في عالم صناعة الساعات الراقية، فالساعاتيون يسعون بشكل مستمر إلى الخروج بالقطع الرائعة، غير المألوفة أحياناً، والتي تتميّز بخصائصها التقنية والفنية العديدة إن من ناحية التصميم والتنفيذ أو من ناحية التعقيدات التي تبتكرها الدور لتدرجها ضمن الحركة الميكانيكية، كما ويطال الإبتكار أيضاً المواد التي يستعملها الساعاتيون، ومنها الأنواع غير المألوفة التي يدخلونها إلى إصداراتهم.
وميناء الساعة، أي وجهها، يلعب دوراً رئيساً في إظهار الشخصية الخاصة بكل من قارئات الوقت، وهو يتكامل ويتناسق مع كل ما يدور تحته، فيعرض الوظائف والتعقيدات التي تمنحها الساعة الميكانيكية لحاملها. وفي الوقت عينه، الميناء هو أول ما يلفت الأنظار إلى الساعة، ويثير الإعجاب ويجعل منها مادة مرغوبة من قبل محبّي آلات الوقت، لذلك توليه الدور اهتماماً خاصاً من ناحية التصميم والتنفيذ. ولكن كيف تتم صناعة موانئ عرق اللؤلؤ؟
إنتاج فني مشترك للبحر والإنسان
فلنبدأ أولاً بتعريف هذه المادة. عرق اللؤلؤ Mother of Pearl أو Nacre، هو تلك الطبقة البراقة التي تغطي الجهة الداخلية للأصداف البحرية. يتألف عرق اللؤلؤ من مجموعة من المعادن بما فيها مادة كربونات الكالسيوم التي تفرزها الرخويات لحماية منازلها من الطفيليات والأجسام الغريبة التي تهاجمها. وهي في الواقع تقوم بإفراز طبقات متعددة من هذه التركيبة وصولاً أحياناً إلى إنتاج اللآلئ الطبيعية الثمينة والنادرة، ولكن ما نحن بصدد الإضاءة عليه الآن هو المادة التي تغطي الطبقة الداخلية للصدفة والتي يستعملها الساعاتيون لتزيين الموانئ.
الخطوة الأولى تكون باختيار الصدفة المناسبة، ومن أبرز أنواع الأصداف المناسبة لصياغة موانئ الساعات نذكر Pteria Margaritifera التي يتم حصادها في أستراليا، وهي تُعتبَر نوعاً ممتازاً لهذا الغرض. والجدير بالذكر أن استخراج عرق اللؤلؤ من الصدفة ليس بالعملية السهلة نظراً إلى طبيعته الحساسة الهشة القابلة للتكسر والتلف، ولكن الساعاتيين السويسريين المحترفين قد ابتكروا طريقة ناجحة لاستخراج عرق اللؤلؤ، وذلك باستعمال بعض الآلات الخاصة المشغّلة بالكومبيوتر، كما وباستخدام عدد من التقنيات اليدوية التي هم بارعون فيها.
كما ويلجأ البعض إلى طحن الأصداف ومن ثم تحويلها إلى أقراص رفيعة جداً لا تتعدى سماكتها 0,2ملم، وهذه الأقراص تصلح لأن يتم ترصيعها أو الحفر عليها بأمان في مشاغل الدور الراقية. ومن ناحية الألوان، من الممكن أن يكون عرق اللؤلؤ أبيض، أزرق، رمادي، وردي وغير ذلك من التدرجات التي تتخذها لنفسها اللآلئ الطبيعية، كما ويمكن للتقنيين أيضاً أن يعملوا على تعزيز لون عرق اللؤلؤ أو تلوين تلك الأقراص المستخرجة من الأصداف، وذلك بإضافة طبقة من اللون على الجهة الخلفية للقرص.
عرق اللؤلؤ يزيّن موانئ الساعات
من الدور التي اعتمدت عرق اللؤلؤ لتزيين أوجه البعض من ساعاتها نذكر Omega. هذه الدار التي استعانت ببريقه الخفيف وجماله الأخاذ في تصميم الساعات النسائية من مجموعتها Constellation حيث تنوّعت موانئ عرق اللؤلؤ بين الأبيض، اللون المائل إلى الذهبي، واللون الأزرق، وقد أتت هذه الساعات بعلب وأساور من الفولاذ أو من الذهب مع أو من دون ترصيع ماسي، وجديد هذه المجموعة ساعة Constellation Manhattan Omega Co-Axial Master Chronometer 29 Mm التي ستكون متوفّرة في السوق خلال العام 2019، وقد صيغت هذه الساعات من الذهب الوردي الخاص بالدار Sedna gold وأتت بعلبة قطرها 29ملم مرصعة بالماس على الإطار ومقاومة لضغط الماء حتى عمق 50 متراً، وهي تعمل بواسطة حركة كرونوميتر أوتوماتيكية كاليبر Omega 8701 بمخزون للطاقة من 50 ساعة.
وPatek Philippe هي إحدى الدور الأخرى التي اعتمدت على عرق اللؤلؤ لصناعة وجوه عدد من ساعاتها، نذكر منها ساعة 4948R-Complications النسائية التي تعرض الروزنامة السنوية ومراحل القمر على مينائها المصوغ من عرق اللؤلؤ، وقد صيغت من الذهب الوردي مع ترصيع ماسي، وبلغ قطرها 38ملم. هذه الساعة أوتوماتيكية ويصل مخزون الطاقة فيها إلى 45 ساعة. ونصل إلى Chopard، التي خصصت جمهورها النسائي أيضاً بساعة Imperiale Joaillerie التي أتت بميناء من عرق اللؤلؤ التاهيتي، حيث وفي الوسط تم حفر الرسوم الرمزية بأسلوب أرابسك الفني، والتي استخدمتها الدار أيضاً في مجموعة Imperiale Jewellery من المجوهرات الخاصة بها.
وRolex أيضاً هي من الدور التي تستخدم عرق اللؤلؤ لتزيين وجوه ساعاتها، والجدي بالذكر أن هذه الدار لا تستعمل إلا عرق اللؤلؤ الطبيعي وقد أتت ساعاتها هذه بموانء متنوّعة الألوان بين الأبيض، الأصفر، الوردي أو الأسود. وضمن هذا الإطار نذكر ساعات Lady-Datejust Pearlmaster التي أتت بعلب من الذهب مع موانئ من عرق اللؤلؤ الأبيض الطبيعي، وقد زيّنتها الدار بحيات برّاقة من الماس.
ودار Louis Vuitton التي غالباً ما تستعمل رموزها الفنية في التصاميم الخاصة بمجوهراتها والساعات التي تحمل توقيعها قد استعانت بكل من النجمة والزهرة الخاصتين بها لحفرهما على ميناء ساعة Dentelle de Monogram المصنوع من عرق اللؤلؤ البولينيزي.
واللائحة تطول، فتشمل العديد العديد من الأسماء الراقية في عالم صناعة الوقت، فعرق اللؤلؤ يحتل مكانة مهمة في مشاغل هذه الدور وفي خيال فنانيها المبدعين الذين أتقنوا فن التعامل مع هذه المادة الرقيقة والناعمة والهشة، واستطاعوا إيجاد التقنيات المناسبة للإبداع من خلال هذا الإنتاج الفني المشترك بين البحر والإنسان.
إعداد: ليزا أبو شقرا
مجلة عالم الساعات والمجوهرات – عدد يناير/ مارس 2019