ساعات مضيئة ومتلألئة على المعصم!

ترى وجوه بعض قارئات الوقت لامعة، مصوغة من الذهب، أو برّاقة مرصوفة بالماس، أو زاهية مطلية بألوان المينا، بيضاء أو سوداء، كلاسيكية أو مبتكرة، ممتلئة أو مفرغة شفافة… فصانعو الوقت يبدعون في تزيين تلك الوجوه التي تخبر عن براعتهم وحرفيتهم.

ولكن ماذا عن موانئ الساعات المضيئة كالسماء الليلية..؟

هو حجر الـAventurine الذي يستعين به العديد من الساعاتيين لإضاءة وجوه ساعاتهم ذات الوظائف الفلكية أو لجعل آلة الوقت التي تحمل توقيعهم مضيئة، لا بل تتراقص عليها الأنوار مع تغيير الانعكاسات الضوئية التي تلامسها. فما هو حجر الأفنتورين، ومن هم صانعو الوقت الذين يستخدمونه..؟

في علم الأحجار، الأفنتورين هو أحد أنواع الكوارتز، نصف شفاف ويتميّز باحتوائه على أجزاء برّاقة تمنحه مظهراً متلألئاً يعكس الأنوار المحيطة به، وهذه الأجزاء هي عبارة عن شرائح معدنية شديدة الصغر موزّعة في الحجر وتدخل ضمن تركيبته. وهذه الجزيئات المعدنية هي كثيرة العدد لدرجة أنها قادرة على التأثير على اللون الأساسي للحجر، فعندما تكون مؤلفة من مادة الـfuchsite يكون لون الحجر أخضر، وعندما تكون الجزيئات المعدنية مؤلفة من الحديد، تمنح الحجر لوناً أحمر. أما الأفنتورين الأزرق الذي غالباً ما يستعمله صانعو الساعات فهو يحتوي على جزيئيات مادة Dumortierite التي تمنحه هذا اللون.

الأفنتورين في صناعة الوقت

تقول الرواية أن الأفنتورين تم اكتشافه بالصدفة من قبل أحد صانعي الزجاج في إيطاليا، حين أوقع عن طريق الخطأ حفنة من الجزيئيات المعدنية داخل الزجاج المذاب، وعندما تجمّد الزجاج ظهرت فيه نقاط عاكسة للأنوار، وقد أخذ اسمه من العبارة الإيطاليت A Ventura التي تعني «بالصدفة». وهذا النوع من الزجاج أصبح يُصنع ويُستعمَل كمادة زخرفية منذ القرن الثامن عشر، ولكن الحجر الطبيعي تم اكتشافه بعد ذلك، وأعطي نفس الإسم لأنه يشبه زجاج الأفنتورين.

إن استعمال الأفنتورين في صناعة الساعات يُعتبّر من التقنيات النادرة، إن كان على شكل زجاج أو الحجر الطبيعي، لذلك فإن الدور تُقِل من استعماله نظراً إلى ارتفاع تكلفته وصعوبة قطعه ليكون صغيراً في حجم ميناء الساعة ورقيقاً، سماكته نصف ميلليمتر أو أقل.

ولكن دار Christiaan Van Der Klaauw هي من الدور الأكثر جرأة في استعمال هذا الحجر، وقد جعلت منه وجهاً للعديد من ساعاتها الفلكية، والمعروف عن هذه الدار خبرتها في صناعة هذا النوع من الساعات وإتقانها استعمال الأفنتورين منذ بدايات القرن الواحد والعشرين، حتى أصبحت هذه الموانئ المضيئة واحدة من رموز الدار ومميزاته الخاصة، وهي لا تكشف لأحد أسرار صناعتها لهذا الزجاج والوصفة الخاصة به.

وقد فاجأت الدار جمهورها وخبراء الوقت هذه السنة بإطلاقها ساعات تتميّز بمينائها المصنوع من زجاج الأفنتورين الأسود، وهو الأول من نوعه في القطاع. وهذا الزجاج الأسود المتلألئ جعلت منه الدار خلفية لساعتها الجديدة Planetarium التي تضم الآلية الأصغر عالمياً التي تمنح وظيفة عرض النظام الشمسي على الميناء، فهي تعرض المدارات الشمسية لكواكب الزهرة، عطارد، المشتري، زحل، الأرض والمريخ، كما أنها وفي الوقت عينه تقرأ الوقت، التاريخ وأشهر السنة. كما أن الدوار الخاص بهذه الساعة يحمل نقوشاً للكواكب والنجوم التي تدور حول الشمس ذات الـ12 شعاعاً، وهي شعار الدار.

وأيضاً كشفت دار Christiaan Van Der Klaauw هذه السنة عن ساعة Real Moon Tides التي جُهّزت أيضاً بميناء مصنوع من الأفنتورين الأسود. المميز في آلة الوقت هذه هو أنها تعرض على مينائها حركة المد والجزر في نافذة عند الـ12، وهذه الوظيفة تتفاعل مع حركة القمر الموضوع عند الـ6، ويمكننا القول أن هذه الساعة هي الأولى في العالم التي تتضمن هذا التعقيد. أما ساعة Real Moon 1980 فهي تعرض المسافة التي تفصل بين الأرض والشمس في كل من فصول السنة، إضافة إلى الوقت ومراحل القمر والتاريخ وأشهر السنة. وكل ذلك طبعاً على ميناء مصنوع من الأفنتورين الأسود.

والجدير بالذكر أيضاً أن الدار قد تعاونت مع Van Cleef & Arpels على إنتاج ساعة Lady Arpels Planétarium التي عرضت على مينائها المصنوع من الأفنتورين حركة الكواكب حول الشمس، فصاغت هذه الأخيرة من الذهب الوردي، وألبست عطارد عرق اللؤلؤ الوردي، ولوّنت كوكب الزهرة بالمينا الأخضر، وصاغت الأرض من التوركواز ورصعت القمر بالماس. 

موانئ أخرى من الأفنتورين واللافت أيضاً في ساعات العام 2018 أن الساعات التي تتوسطها موانئ الأفنتورين قد شغلت عدداً لا بأس به من الساعاتيين، مثل A. Lange & Söhne التي صنعت منه ميناء ساعتها الأوتوماتيكية والشديدة الرقة Saxonia Thin.

ومن جهتها، أطلقت دار Girard-Perregaux ساعة Cat’s Eye Day & Night المصوغة من الذهب الأبيض مع إطار مرصع بالماس وميناء من الأفنتورين بدا مثل السماء الليلية المضيئة، وهو يحتوي مؤشراً لمراحل القمر عند الـ6 وقد تم أيضاً ترصيعه بالماس.

ونصل إلى ساعة Parmigiani Fleurier Kalparisma Nova Galaxy التي أتت بوجه يشبه السماء الليلية، مصنوع من الأفنتورين، مع نجمة عند الـ6. العلبة من الذهب الأبيض أو الوردي مع ترصيع ماسي على الإطار.

واللائحة تطول، ويبقى الأفنتورين من أقرب المواد إلى قلوب الساعاتيين الذين يسعون إلى وضع الفلك والكواكب والنجوم على معاصم جمهورهم من السيدات والرجال.

مقالات ذات صلة