كثير هو ما قُصَّ عن تاريخ وسحر الأحجار الكريمة، عن أسرار بداياتها، عن قوّتها، وعن كونها مرتبطة بشدة بالمشاعر والأحاسيس. ولكن، قليلاً ما نقرأ عن أحجار استطاعت بقدرتها الخاصة أن تحدّد مصيرها ومستقبلها بنفسها. ولعل أبرز دليل على ذلك، قصّة Romanov Sapphire التي تلعب اليوم دور البطولة في مجموعة المجوهرات الفاخرة الجديدة من Cartier، التي أتت تحت عنوان Étourdissant Cartier. فحجر الساقير السيلاني هذا الذي يتميّز بقطعه الوردي rose-cut وهو مخدّد الشكل، زنته 197.80 قيراطاً، قد تمتّع بتاريخ حافل لا يقل سحراً ولا إبهاراً عن مواصفاته الفريدة تلك.
مع الغموض الكبير الذي يسيطر على تفاصيل تاريخها السابق، ظهرت هذه الجوهرة للمرة الأولى عام 1883 في روسيا، وبالتحديد في مدينة St. Petersburg، خلال حفل تكريم للأمبراطور الكسندر الثالث، أقامه على شرفه شقيقه، الدوق الأكبر فلاديمير وقد اتخذ هذا الحفل منحى «إلقاء التحية على نبالة المجتمع الروسي في القرنين السادس والسابع عشر واستذكارها».
في تلك الليلة، لعب حجر Romanov Sapphire دوراً أساسياً في الإطلالة الأنيقة لزوجة الدوق، Maria Pavlovna التي كانت حريصة على إبهار ضيوفها بمظهرها وفخامة مجوهراتها، وبالأخص زوجة القيصر، الأمبراطورة Maria Feodorovna، حيث كانت المنافسة على الطلة الخلابة بين السيدتين في أشدّها، وليس فقط على الجمال، بل أيضاً على إثبات مقام كل منهما، وسلتطها أمام الحشد. فبالنسبة إلى الجميع، كان هذا الحفل الفرصة المثالية للفت الأنظار.
لكن وبالرغم من الجهد الكبير الذي بذلته Pavlovna لتبدو في أجمل حلة، لم تكن مقتنعة تماماً باكتمال طلتها، بينما بدت غريمتها، زوجة القيصر Maria Feodorovna مبهرة، خاصة بثوبها المطرّز بالأزهار وقد زيّنته بمشبكين مرصعين بالماس ويتوسطهما حجرا سافير، أحد هذين الحجرين هو Romanov Sapphire بطل قصتنا، ونجم مجموعة Cartier الجديدة.
بعد اندلاع الثورة عام 1917، نفيت ماريا الى الدنمارك بعد موت زوجها، وإقصاء إبنها عن الحكم، تاركة وراءها مجموعة ضخمة من الأثاث والمجوهرات بما فيها حجر السافير الثمين. حُفظت تلك المقتنيات في خزنة الكرملن، لتقوم الحكومة الشيوعية عام 1922 بإحصاء تلك المجوهرات التي كانت تعود سابقاً إلى العائلة المالكة، وضمها إلى الخزنة الخاصة بالدولة السوفياتية.
ويمكننا القول أن الغموض يبدأ هنا: الجوهرة اختفت، لتظهر في العام 1928 في مشاغل Cartier، فيقال أن هذه الجوهرة لم ترضَ إلا بأن تكمل حياتها بين أيدي «صائغ الملوك، وملك الصاغة».
وفي ليلة من ليالي يناير عام 1929، زارت إحدى أهم زبائن Cartier متجر الدار في نيويورك، وهي مغنية الأوبرا Ganna Walska زوجة المليونير Harold McCormick، والتي وقعت على الفور في غرام حجر السافير، واشترته لأنه ذكرها بحبها الأول. في شهر مايو من السنة نفسها، عادت أدراجها إلى البوتيك طالبة وضع حجرها الأزرق في وسط عقد كان قد سبق لها واشترته من الدار، لتعود وتطلب تحويله إلى قلادة في ديسمبر. احتفظت Walska بحجر Romanov Sapphire لسنوات عديدة حيث تزيّنت به عند مشاركاتها في المناسبات الفخمة، لتضطر في العام 1971 إلى بيع جميع مجوهراتها بهدف شراء منزل ضخم في ولاية كاليفورنيا.
لم يعد حجر السافير إلى الظهور إلا في العام 1992 حين تم بيعه في مزاد علني، وبعد ذلك في العام 2004 حين عاد أدراجه إلى مشاغل Cartier بعد مسيرة طويلة. هذه الدار التي لطالما احتضنته، واضعة إياه على أحد مشابكها ومن ثم عقد وقلادة، تقدّمه هذه المرة متربعاً على عرش أحد أساورها الذي أطلقت عليه اسم
Romanov Bracelet، وقد صيغ من البلاتين المرصع بالماس، يتوسطه حجر السافير الضخم الذي
وإن دار حول العالم، يعرف دائماً طريق العودة إلى حضن Cartier.