بدأت صناعة الساعات الراقية بالانتشار منذ أكثر من خمسمئة سنة، وقد تميّزت بأصولها وتقاليدها ومعاييرها الصارمة التي لا يمكن للساعاتيين أن يتخلوا عنها في حال أرادوا تصنيف النماذج التي تحمل توقيعهم بين الساعات الراقية.
إن التميّز في عالم ابتكار الوقت لم ولن يقف يوماً عند حدود. فالساعاتييون، وبفضل قدرتهم الهائلة على العمل اليدوي الدقيق، قادرون على تنفيذ الأفكار الخارجة عن كل مألوف والتي يتخطّى بها المصممون الثائرون كل ما هو “عادي” وكلاسيكي، ويعبّرون من خلالها عن فرادة أساليبهم، جرأتهم، وشغفهم بالأجزاء الصغيرة لآليات الساعات. كما أنهم لا يتوانون عن تجسيد الإيحاءات الغريبة التي تطرأ على أفكارهم، فيستعينون بها لتصميم العلب والموانئ وما خالف ذلك من خصائص حرفة صناعة الساعات الراقية.
MB&F مختبر للخلق والإبداع
وإذا كان التمسّك بما هو مألوف ومتعارف عليه هو من خصائص الساعات الكلاسيكية، فإن العديد من الدور تسعى إلى الخروج الكلي عن المألوف في ثورة على “الفن الكلاسيكي” وعلى الأصول والتقاليد التي يفرضها. فتعمل على إظهار الأفكار الثورية بكل ما تحتوي من تقلبات وتناقضات، فلا تعرف حدوداً ولا تقاليد، بل تفلت العنان لمخيلة الفنانين المبدعين ليقولوا ما عندهم من دون قيود. فيصف Maximilian Büsser عمل دار MB&F التي يترأسها قائلاً: “نحن لا نصنّف نفسنا كماركة ساعات وليس هناك خطوط ثابتة لإنتاجنا، بل نعتبر MB&F بمثابة مختبر للخلق والإبداع. من هنا نركّز جهودنا في المقام الأول على الابتكار الذي هو ركيزتنا الأساسية، فقراءة الوقت ليست الهدف الأول من إصداراتنا ولكن أولوياتنا تتركز حول خلق آلات ميكانيكية فنية ثلاثية الأبعاد، تعرض الوقت”.
فإذا ألقينا النظر على شخصية هذا الرجل وحياته المهنية، نستنتج أن MB&F هي النتيجة الطبيعية لمسيرته. فهو حاصل على شهادة ماجستير في الهندسة التكنولوجية المصغرة Micro-Technology Engineering، وقد ظهر شغفه بصناعة آلات الوقت منذ بداية حياته العملية، إذ كانت أول وظيفة له في دار Jaeger-LeCoultre حيث أمضى سبع سنوات في فريق إدراتها العليا، وكان ذلك خلال فترة تطوير الدار ونموّها.
ثم وفي العام 1998، عُيِّن Maximilian Büsser في منصب المدير الإداري لدار Harry Winston حيث أمضى سبع سنوات أخرى، استطاع خلالها تحويلها إلى واحدة من أهم الدور في صناعة الساعات الراقية حيث عمل مع مجموعة من الساعاتيين الموهوبين ‘لى إنتاج ساعات Opus التي كانت أساس انطلاقته التالية.
ففي العام 2005، قرر Büsser أن يطلق العنان لقدراته الإبداعية، فاستقال من منصبه السابق ليباشر في تأسيس الدار الخاصة به، حيث شعر أنه حرّ تماماً في وضع الخطوط الثوروية في تصاميم آلات الوقت، وحيث قرر أن يتعامل مع مجموعة من الساعاتيين المستقلين الذين لا يقلون عنه شغفاً وجنوناً..! وأطلق عليها اسم MB&F الذي يعني Maximilian Büsser & Friends. وأصدقاؤه هؤلاء هم مجموعات من الساعاتيين الموهوبين الذي يوحّدون جهودهم معه لإنتاج نوع خاص من آلات الوقت، بأسلوب يحترم تقاليد المهنة ولكن لا يسمح لها بتقييده، فهذا الفريق الخلاق المبدع يقوم بإعادة ترجمة هذه التقاليد واستعمالها في تصميم وتنفيذ قطعة ثلاثية الأبعاد شديدة العصرية وذات جودة عالية.
في الفترة التي كان يعمل خلالها على القطعة الأولى من إنتاجه، يخبر Büsser أنه سافر حول العالم في محاولة لإقناع الوكلاء التجاريين المحتملين للمشاركة في مغامرته، وفي العام 2007 أطلق Horological Machine No.1 وهي أولى آلات الوقت بتوقيع MB&F، ليتبعها في العام 2008 الإبتكار الثاني HM2 التي أحدثت ثورة في القطاع بفضل شكلها وتصميمها الخارج عن المألوف.
وكرّت السبحة وهي لم تتوقف حتى اليوم، ففاجأت الدار جمهورها بقطع تحمل إيحاءات متنوّعة، نذكر منها مثلاً ساعة HM4 الفائزة بجائزة أفضل تصميم في مسابقة جنيف الكبرى للساعات الراقية GPHG للعام 2010، وقد شهدت السنة نفسها إطلاق ساعة JLWRYMACHINE التي أنتجتها الدار بالتعاون مع Boucheron، كما انطلقت في العام 2011 مجموعة Legacy Machine التي تلقي التحية على صناعة الساعات في القرن التاسع عشر. وهذا العام أيضاً شهد خطوة جريئة جديدة للدار مع إطلاقها M.A.D. Gallery في جنيف، هذا المكان الذي يلتقي تحت سقفه فنانو صناعة الوقت مع فنانين آخرين يوازونهم من ناحية الثورة والجنون في الأفكار، ليتعاونوا على إنتاج قطع ميكانيكية فنية لم يسبق لها مثيل. والجدير بالذكر أن الدار قد افتتحت فرعين آخرين لـ M.A.D. Gallery في تايوان عام 2014، وفي دبي عام 2016. الأمثلة على إبداع Maximilian Büsser وأصدقائه لا تنتهي، ولكن نضيء على أحدثها وهي ساعة Octopod الجديدة، التي أنتجتها الدار في العام 2017 بالتعاون مع شركة L’Épée 1839، بثلاث إصدارات محدودة بـ50 قطعة لكل منها. آلة الوقت هذه تبدو كأخطبوط بثمانية أرجل، مع رأس كروي الشكل، مصنوع من السافير الشفاف. أما السر وراء مظهر الحركة الميكانيكية التي تطفو في الهواء أو في الماء فهو الصفيحة الرئيسية للساعة المصنوعة من طبقة من الزجاج المضاد للانعكاس على الجهتين مما يجعلها خفية تماماً عن النظر. أبعادها كالتالي: 28سم x 28سم في حالة الوقوف، ليصبح ارتفاعها 22سم وقطرها 45سم عندما يكون الأخطبوط رابضاً، أما وزنها فهو 4,2كلغ. يدوية التعبئة وتتمتع بمخزون للطاقة من ثمانية أيام.
إعداد: ليزا أبو شقرا
مجلة عالم الساعات والمجوهرات عدد 119