«في إيطاليا…تحت حكم عائلة بورجيا، كان هناك حروب وإرهاب وقتل وسفك دماء، ولكنهم أنتجوا «مايكل أنجلو» و»ليوناردو دافنشي» وعصر النهضة. في سويسرا، حيث يسود الحب الأخوي، خمسمائة عام من الديمقراطية والسلام، وماذا أنتجوا؟ ساعة الوقواق.»
هذه الكلمات أتت على لسان شخصية Harry Lime التي كان يلعبها Orson Welles في فيلم The Third Man، وهي من أقرب الإقتباسات إلى قلبي، وتشكل برأيي مقدّمة مناسبة لاستعراض ما رأيناه من جديد الصالون العالمي للساعات الراقية للعام 2016.
إن ساعة الوقواق هي بمثابة رمز للساعات السويسرية تماماً مثل Royal Oak وReverso وRolex Submariner، وإن كان البعض يظن أنها من أصل ألماني. هذه الساعات تحافظ على أسلوبها الموحّد منذ انطلاقتها في القرن التاسع عشر، وهي كانت الموضوع الذي تمحور حوله المعرض الثقافي الخاص بالصالون هذه السنة. هذا المعرض كان من تنظيم HEAD، مدرسة الفنون والتصميم الواقعة في جنيف، وقد هدف إلى إعادة الإضاءة على هذا النوع من ساعات العرض التي لطالما اعتُبرت مرِحة، ذكية ومثيرة للفضول. وهي مميزة بتصاميمها بقدر تميّز الأفلام التشويقية التي عرضتها دار Roger Dubuis على YouTube تحت عنوان Goodbye Cuckoo والتي سبقت صالون جنيف للعام 2014.
كما هو الحال دائماً، تضمّن المعرض هذه السنة مزيجاً من الإبتكارات المثيرة والقطع الجميلة التي تثير رغبة الناظرين إليها باقتنائها، كما هناك الساعات التي يمكن وصفها بالسهلة الإرتداء والاستعمال، وتلك التي تخيّب أمل الجمهور والخبراء بعدما انتظروها طويلاً لتخرج من المشاغل.
أما التغيير الأكبر في المعرض، فهو كما يعلم المتحمسون للمهنة، مشاركة تسعة من أهم الساعاتيين المستقلين المعروفين، وقد خُصِّصت لهم مساحة أطلقت عليها تسمية Carré des Horlogers. هذه المشاركة أضافت من دون أدنى شك المزيد من الحيوية على الحدث، والأهم في الموضوع أنها كانت بمثابة اعتراف بالمساهمة الكبرى التي يقدّمها هؤلاء لتعزيز وتحسين صحة القطاع بشكل عام.
من حيث الإنجازات التقنية، يمكننا القول أن اثنين من أهم الإبتكارات كشفت عنهما اثنتان من أعرق الدور المتمسكة بأصالة المهنة، ولكن من الأجرأ في الوقت عينه: Piaget وParmigiani Fleurier. ففي ساعة Emperador Coussin XL 700P، جمعت Piaget الحركة الميكانيكية الشديدة الرقة إلى ميزان تأرجحي عالي التردد quartz (وليس بطارية quartz). وقد تم تقديم طلبات لعشر براءات اختراع عن هذا الكاليبر.
أما الطاقة الإستثنائية التي تتمتع بها ساعة Senfine منParmigiani Fleurier والتي تصل إلى 45 يوماً (في النموذج الحالي بينما الهدف هو الوصول إلى 70 يوماً في المستقبل)، فهي ناتجة عن التردد العالي للكاليبر الذي يبلغ 16 هرتز أي 115.200 ذبذبة في الثانية. والفضل في ذلك يعود إلى التصميم الهندسي الجديد الذي أغنت به الدار ميزان الساعة، إضافة إلى رافعات السيليسيوم الجديدة المطاطة التي حلت مكان الصفائح المعتادة.
من جهتها ساعات Van Cleef & Arpels شكلت أيضاً مساحة للتطور التقني، ففي قلب ساعة Louis Arpels Midnight Nuit Lumineuse وُضع نظام خاص مؤلف من شريط من السيراميك مهمته توليد تيار من الكهرباء الضغطية piezo-electricity، وبالتالي إضاءة الوحدات الضوئية الموضوعة تحت حبات الماس التي تمثل النجوم على الميناء الأزرق الليلي.
كما ومن بين العدد الكبير من ساعات المجوهرات، قدّمت Van Cleef & Arpels ساعة سرية أتت مع سوار مرصع بـ 115 ياقوتة من الموزمبيق. أما Audemars Piguet فقد كشفت بدورها عن ساعة Fury السرية التي يمكننا القول أنها تغلبت على ساعة Diamond Punk التي أطلقتها العام الماضي، لتخصص دار Roger Dubuis كامل مجموعتها الجديدة للسيدات المحبات لآلات الوقت المرصعة، وقد تضمّنت مزيجاً رائعاً بين التورمالين والكاربون. وأيضاً Cartier أبدعت في هذا المجال الذي تعتبره بمثابة «مضمارها»، فكشفت عن ساعات مجوهرات رائعة، وجهزتها بحركات ميكانيكية ممتازة، وغني عن القول أن كل قطعة من هذه الساعات هي فريدة من نوعها.
في قطاع صناعة الوقت لا يمكننا استعمال تعبير «اتجاه» كما في عالم الأزياء، ولكن لعلنا نتمكن من تصنيف الجديد بحسب الفئات المتنوّعة. فنأخذ «الإرث» على سبيل المثال، وفي هذا الإطار احتفلت Jaeger-LeCoultre بالعيد الـ 85 لمجموعة
Reverso، وأطلقت للمناسبة قطعاً إحتفالية، تضمّنت إعادة إصدار التوربيون الجيروسكوبي من خلال ساعة رائعة، كما زوّدت البعض من نماذجها بأساور من تصميم Christian Louboutin. كما عملت Vacheron Constantin على إعادة إطلاق مجموعة
Overseas بتصميم جديد، وزوّدتها بنظام ذكي لتبديل الأساور.
أتش موزر أند كومباني زسويس ألب واتشس – H.Moser & Cie. Swiss Alp Watch
ودار Montblanc التي تُعتبر «جديدة» نسبياً في مجال صناعة الساعات الراقية تبرع أيضاً في صناعة آلات الوقت ذات الطابع الكلاسيكي التي يمكن وصفها بأنها تأتي من تاريخ عريق في المهنة، وتقدّمها إلى جمهورها بأسعار تسمح لعدد كبير منهم باقتناء ساعاتها ذات القيمة العالية. كما أعادتIWC Schaffhausen ساعاتها المخصصة للطيارين إلى الواجهة، وكانت نجمتها Mark XVIII التي أتت بعلبة قطرها 40ملم، لتتلاقى مع «فئة» الساعات الصغيرة الحجم.
وضمن هذه الفئة أيضاً أتت ساعة Promesse الجديدة لدار Baume & Mercier، والتي تبدو رائعة خاصة مع سوارها الذي يلتف مرتين حول المعصم، كما بدت نماذج Royal Oak الجديدة قطر 41ملم أكثر عصرية من ساعات Royal Oak Offshore الضخمة، وبدت ساعة Radiomir 1940 3 Days Automatic ممتازة بعلبتها قطر 42ملم.
بعد كل مشاركة لي في معرض عالمي للساعات يسألني المحيطون بي: «أي قطعة هي المفضلة لديك؟» في الواقع هذا سؤال من المستحيل الإجابة عليه، فكل الساعات التي أخبرتكم عنها حتى الآن قد أثارت إعجابي، وهناك المزيد من آلات الوقت التي قد أفعل الكثير للحصول عليها. إصدارات A. Lange & Söhne الجديدة وأبرزها Richard Lange Jumping Seconds، ساعة Vingt-8 السوداء بالكامل لـ Kari Voutilainen (ولكن لا يمكنني شراؤها لأن القطع التي أحضِرت إلى المعرض قد بيعت جميعها)،
RM 67-01 Extra Flat لدار Richard Mille، الساعة الرائعة Chronode لدار Parmigiani Fleurier وبخاصة النموذج ذو الميناء الأزرق، منDe Bethune ساعات World Traveller وDream Watch (التي أذهلتني عندما وضعتها على معصمي)، وأخيراً وليس آخراً، ليس ساعة Apple (فأنا لن أرتدي إحدى هذه الساعات يوماً على معصمي)، ولكن أرغب من كل قلبي باقتناء ساعة Swiss Alp Watch من H.Moser & Cie.، وذلك ليس فقط لأنها من إنتاج هذه الدار (مع أن ذلك ممكن أن يكون سبباً كافياً)، ولكن لأنني أؤمن تماماً أن هذه الساعة تعبّر بوضوح عن أجمل ما توصّل إليه فن صناعة الساعات اليوم.