الكرونوغراف الأوتوماتيكي في يوبيله الذهبي

منذ خمسين عاماً، كان التحالف المؤلف من Heuer-Leonidas وBreitling وBuren-Hamilton وDubois Dépraz تحت إسم Project 99 يتنافس مع كل من Zenith وSeiko على إطلاق ساعة الكرونوغراف الأوتوماتيكية الأولى. فما هي قصة الكرونوغراف، وكيف طوّرته الدور، ومن منها كانت صاحبة الآلية الأوتوماتيكية الأولى؟

هو صباح العاشر من يناير من العام 1969، وJack Heuer، المدير العام لعلامة الساعات Heuer يقرأ صحيفته ويحتسي فنجان قهوته الصباحية، وفجأة تقع عيناه على مقال قصير يسبب له الصدمة، فهذا المقال يعلن أن الدار المنافسة له Zenith نجحت في تطوير الكرونوغراف الأوتوماتيكي الأول في العالم، وأطلقت عليه تسمية El Primero التي تعني “الأول”، وهي بالفعل قد بدأت بعرض النماذج الوظيفية الأولى منه. ولكن Heuer كان يعمل منذ ثلاث سنوات ضمن التحالف الذي ينتمي إليه بجدية وسرية وتكتّم تام على إنتاج آلية كرونوغراف أوتوماتيكية، وكانوا يسعون إلى أن تكون الأولى من نوعها، وهم بالفعل قد عيّنوا يوم الثالث من مارس لإطلاق حركة Caliber 11. فكيف استطاعت Zenith الفوز بهذا السباق؟

 

منافسة سرية ومحتدمة..!

هذا الحدث هو من بين الأحداث الأكثر تشويقاً في عالم صناعة الساعات، وقد أتى خلال سنة، تميّزت بالعديد من الأحداث المهمة على صعيد التطوّر التنكولوجي والإجتماعي والعملي، فهذا العام قد شهد أيضاً الرحلة البشرية الأولى إلى سطح القمر، وإطلاق الطائرة الأولى من نوع Boeing 747، إضافة إلى الكثير من التطوّر في مجال صناعة المحركات والسيارات السريعة، فهذه الأحداث جميعها قد رافقت موجة الإزدهار الإقتصادي التي عمّت العالم في تلك الفترة.

وفي وسط هذه الأجواء، أدرك الساعاتيون السويسريون أنه لا خيار لديهم إلا تطوير أعمالهم وزيادة الإبتكار في صناعة الوقت بهدف ملاقاة هذا التطور الإقتصادي العالمي، خاصة مع شعورهم بأن شبح المنافسة قد بدأ يلوح طيفه من الشرق الأقصى. وإذا وسّعنا الإطار ونظرنا إلى المدى البعيد، نرى أن أزمة ساعات الكوارتز الآتية من الشرق والتي استطاعت لاحقاً خلال العقد التالي لهذه الأحداث، تهديد عدد من أعرق دور الساعات السويسرية، كانت قد بدأت في هذه الفترة تغزو السوق الغربية، مما أدى بحسب البعض إلى “استيقاظ” صناعة الساعات السويسرية من غفوتها وكان له التأثير الكبير على توجهاتها وعملها الدؤوب بهدف إنتاج آلية كرونوغراف أوتوماتيكية في سباق مع الدول المنتجة الأخرى.

 

العام 1969 يكشف جميع الأسرار

بدأت Zenith العمل على إنتاج الكرونوغراف الأوتوماتيكي منذ العام 1962 بقصد إطلاقه في العام 1965 لتزامن ذلك مع الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الدار، ولكن هذه العملية المعقدة تطلبت أربع سنوات إضافية لإنجازها، وذلك نظراً إلى التحديات التي كان عليها مواجهتها خلال العمل على هذا الإبتكار، لا سيما من ناحية تأمين مخزون الطاقة لهذا النوع من الساعات، فالكرونوغراف هو بحاجة إلى أضعاف كمية الطاقة خلال قياس الفترات الزمنية القصيرة مقارنة مع كمية الطاقة التي تحتاجها الساعة عند قراءة الوقت بالطريقة العادية. إضافة إلى ذلك، كان على الساعاتيين أيضاً وضع آلية الكرونوغراف مع آلية قراءة الوقت بشكل متناسق داخل العلبة، مع الأخذ بعين الإعتبار الحاجة إلى تضمين الحركة عدداً كبيراً من المكوّنات الجديدة التي تدخل ضمن منظومة قياس الفترات الزمنية القصيرة أي وظائف الكرونوغراف، والنظام الأوتوماتيكي الخاص بتزويدها بالطاقة. ومع ذلك، نجحت الدار كما ذكرنا بأن تتصدر الدور الصانعة للكرونوغراف الأوتوماتيكي وأن تفوز بالسباق.

أما شركة Seiko اليابانية التي أنتجت ساعة المعصم الأولى التي تمنح وظيفة الكرونوغراف في العام 1964 ليتم الإعتماد عليها في ضبط أوقات دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في تلك السنة، بدأت منذ العام 1967 بالعمل على إنتاج آلية كرونوغراف أوتوماتيكية، وكانت تعمل في منأى عن السباق السويسري ولكنها فاجأت الجميع عندما قامت بإطلاق الكاليبر 6139 في شهر مايو من العام 1969 ووضعته في ساعة 5 Sports Speedtimer وكان هذا الكاليبر يتمتع بالعديد من الخصائص والميزات. فقطره لا يتعدى 27,4ملم وسماكته تبلغ 6,5ملم، النابض الأساسي الخاص به محمول على ركائز كروية، والدوار مركزي يعمل بالتناسق مع تقنية Magic Lever الثورية في تلك الأثناء، والتي تسمح لنظام الساعة باستعمال الطاقة الحركية الصادرة عن الدوار، بغض النظر عن الإتجاه الذي يدور به هذا الأخير، كما أنه الكرونوغراف الأوتوماتيكي الأول الذي اعتمد تقنية العجلة العمودية والقابض العمودي column wheel and vertical clutch التي تحسّن من دقة عملية قياس الوقت بشكل كبير، وهاتان التقنيات ما زالتا تُستعملان حتى اليوم في مجال صناعة الكرونوغراف. والجدير بالذكر أنه عندما يكون مخزون الطاقة في أعلى مستوياته، تستطيع آلة الوقت هذه أن تعمل لمدة 36 ساعة متواصلة مع تشغيل آلية الكرونوغراف. كما ومن جهة ثانية، ولتحسين أداء هذه الساعة وجعلها أكثر دقة، قام مطوّرو هذا الكاليبر بجعله يعمل بسرعة 3Hz أي 21,600 تردد في الساعة، أي على وتيرة أسرع من تلك التي كان متعارف عليها في وقتها أي 2.5Hz ما يعادل 18,000 تردد في الساعة.

ولكنهم في الحقيقة لم يستطيعو منافسة Zenith في هذا المجال، فالكاليبر الجديد الذي أطلقته هذه الأخيرة قبل ذلك بأربعة أشهر تقريباً ووضعته في قلب ساعة Zenith El Primero A384، يعمل على وتيرة 5Hz أو 36,000 تردّد في الساعة. وهذه الخاصية جعلت من El Primero الكرونوغراف الأول عالمياً القادر على قياس الفترات الزمنية القصيرة بدقة تصل إلى عشر الثانية 1/10th of a second، وهذه كانت بمثابة خطوة جبارة في القطاع آنذاك. كما أن El Primero كان يتمتع بمخزون للطاقة يصل إلى 50 ساعة، وقد تم تزويده بنابض أساسي محمول على ركائز كروية، وقد تم تصغير هذا الكاليبر ليسكن في مساحة لا يتعدى قطرها 29,33ملم وسماكتها 6,5ملم. والمعروف أن العديد من الدور الكبرى الصانعة للساعات قد استعانت بهذا الكاليبر في تلك الأثناء، ولعل أبرزها ساعات Rolex Cosmograph Daytona، إلى جانب دور أخرى مثل Bulgari وDaniel Roth وغيرها.

ومن جهته، تحالف Project 99 اعتمد تقنية أخرى في صناعة الكرونوغراف الأوتوماتيكي، فأتى Caliber 11 المعروف أيضاً باسم Chrono-Matic مبنياً على مفهوم الوحدات أي modular concept الذي كان يتم استخدامه في صناعة ساعات الجيب الأولى التي تحتوي على تعقيدات. فآلية الكرونوغراف كانت موضوعة على صفيحة مع ترس متأرجح، وهذه الآلية المستقلة تم تثبيتها بواسطة ثلاثة براغي إلى الجسر الرئيسي للحركة، بينما يلعب الترس المتأرجح دور صلة الوصل بين بين الكرونوغراف والنابض الرئيسي. كما ولتوفير مساحات أكبر لمكوّنات الحركة، قام المصممون باعتماد الدوّار المصغّر planetary rotor وهو من ابتكار Buren تحت إشراف مديرها التقني Hans Kocher في العام 1954. وهذه التقنية فرضت على الساعاتيين وضع التاج إلى الجهة اليسرى من العلبة، وقد تم التسويق لساعة الكرونوغراف التي تم تزويدها بهذا الكاليبر بعبارة: “الكرونوغراف الذي لا يحتاج إلى تعبئة”.

وبعد الإعلان عن هذا الكاليبر، اختار كل من أعضاء التحالف Project 99 الساعة الأكثر شعبية لديه، وزوّدها بهذا الكاليبر، فقامت Breitling بوضعه في ساعات Navitimer وChronomat، بينما استخدمته دار Hamilton لإطلاق ساعاتها الأنيقة Hamilton Chrono-Matic التي تميّزت بميناء الباندا، أما دار Heuer فقد استخدمت هذا الكاليبر في ساعات Carrera وAutavia والمجموعة الجديدة في تلك الفترة Monaco، التي تميّزت أيضاً بكونها الساعة الأولى المربعة الشكل التي اختُبرت لمقاومتها لضغط الماء. وقد كانت هذه النماذج جميعها تتميّز أيضاً بالتاج الموضوع على الجهة اليسرى للعلبة. وقد تم إطلاق هذا الكاليبر من معرض بازل الذي كان متواضعاً في ذلك الوقت مقارنة مع مركزه ووضعيته اليوم، وحصل Caliber 11 على الكثير من الإعجاب والتقدير وانهالت التهاني على أعضاء التحالف لإنجازهم العظيم.

وهنا نعود إلى Seiko التي أرادت أن تؤكد على حرفيتها ودقتها في صناعة ساعات الكرونوغراف الأوتوماتيكية، وكانت في هذه الأثناء تعمل بشكل سري على إنتاج ساعة متطوّرة تتخطى التوقعات في تلك الفترة، وبالفعل قد ظهرت تلك الساعة ذات الميناء الأصفر والتي تحتضن الكاليبر 6139 على معصم رائد الفضاء William Reid Pogue خلال مهمة Skylab-4 التي قام بها بين العامين 1973 و1974، وهي ما زالت حتى اليوم معروفة تحت إسم Pogue Seiko. وقد تمتعت هذه الساعة بخصائص تقنية عديدة لا سيما magic lever وهو النظام التي كانت الدار تستعمله منذ العام 1959، ومهمته تعزيز عمل نظام التعبئة بالطاقة، وكانت بالإضافة إلى الوقت والكرونوغراف تعرض التاريخ وأيام الأسبوع مع إمكانية التعديل السريع.

 

لا حدود للابتكار

في الحقيقة إن El Primero هو الكاليبر الذي ما زال يُنتَج حتى اليوم من دون توقّف (باستثناء فترة قصيرة جداً خلال فترة أزمة الكوارتز)، كما أن إنتاجه تلقى تعزيزاً مع انضمام Zenith إلى مجموعة LVMH في العام 1999، وقد أجرت الدار عليه العديد من التعديلات والتحديثات، فأدخلته إلى الحركات الميكانيكية المعقدة، وتلك المفرّغة وقد احتضنه الكثير من نماذج الساعات المتطوّرة التي تحمل توقيع الدار. وهو ما زال حتى اليوم الكاليبر الأوتوماتيكي الأكثر دقة في قياس الفترات الزمنية القصيرة، وقد نال في العام 2017 جوائز لأنه تخطى كل التوقعات، وأصبح قادراً على قراءة جزء على مئة من الثانية 1/100th of a second، وتم تقديم هذه التقنية من خلال ساعة Defy El Primero 21 Chronograph التي تعمل على وتيرة 50Hz أي 36,000 تردد في الساعة، أي أن حركتها الأوتوماتيكية هي أدق بعشر أضعاف من حركة الكرونوغراف الأوتوماتيكي الأول الذي حمل توقيع الدار منذ خمسين عاماً. كما أنها قامت هذه السنة بإطلاق ساعات احتفالية بالعيد الخمسين لكاليبر El Primero تحت عنوان A384 Revival و A386 Revival التي أتت بعلب من الذهب بألوانه الثلاثة، وقد أعلنت عن إطلاق هذه الساعات في معرض بازل. وها هي اليوم تكشف أيضاً عن ساعة Zenith El Primero A386 Revival “Fine Watch Club Edition” المحدودة الإصدار بـ24 قطعة فقط، والتي تتوجه الدار من خلالها إلى عدد من جامعي ساعات الدار الأوفياء.  

أما بالنسبة إلى Seiko، فهي تعتبر أن إطلاق الكرونوغراف الأوتوماتيكي في العام 1969 كان بمثابة حجر الأساس الذي قاد إلى ابتكار تقنية Spring-Drive التي تلعب اليوم دوراً رئيسياً في إطلاق النماذج الجديدة من ساعات Grand Seiko. وهي هذه السنة تحتفل بالعيد الـ55 للكرونوغراف الأول الذي حمل توقيعها وتُطلق في هذه المناسبة ساعة جديدة من مجموعة Presage تحت عنوان Seiko Chronograph 55th Anniversary Limited Edition تلقي من خلالها التحية على ساعة الكرونوغراف اليدوية التعبئة Crown Chronograph من العام 1964، كما وتحتفل الدار بالعيد الخمسين للكرونوغراف الأوتوماتيكي الأول الذي أطلقته في العام 1969، فتكشف عن ساعة Seiko Automatic Chronograph 50th Anniversary من مجموعة Prospex وهي تعمل بواسطة الكاليبر 8R48 وهو الأكثر تطوّراً لديها وهي تعتمده لساعات الكرونوغراف منذ العام 2014.

 

وMonaco بلغت الخمسين أيضاً..!

ومن ناحية أخرى، تحتفل TAG Heuer هذه السنة أيضاً بالعيد الخمسين لإطلاق مجموعة ساعاتها Monaco الذي تزامن مع إطلاق آلية Caliber 11، ولهذه المناسبة أقامت حفلاً ضخماً خلال سباق Monaco Formula 1 Grand Prix  الذي أقيم خلال شهر مايو الفائت، في هذه الإمارة التي أعطت اسمها لهذه المجموعة من ساعات الدار منذ العام 1969. وقد أعلنت TAG Heuer أنها ستقوم خلال هذه السنة بإطلاق خمسة نماذج جديدة من ساعات Monaco، كل من هذه النماذج يحمل خطوطاً مستوحاة من أحد العقود الخمسة التي مرّت على إطلاقها، ويلقي التحية على هذا التصميم المميز والذي لم تتوقّف الدار يوماً عن تحديثه وتطويره، وهو اليوم يبدو أكثر عصرية من أي وقت مضى. والجدير بالذكر هذه الساعة منذ إطلاقها أثارت إعجاب نجوم الرياضة والفن، فشوهدت بعد غام على إطلاقها على معصم سائق السباقات الشهير Jo Siffert، كما وفي العام 1971، شاركت النجم السينمائي Steve McQueen بطولة فيلم Le Mans، وها هي اليوم تعود إلى الصدارة من خلال هذه النماذج الخمسة الجديدة المحدودة الإصدار بـ169 قطعة فقط لكل منها.

 

إذاً، من فاز بالسباق؟

فلنعد إذاً إلى التساؤل حول السباق الذي خاضته الدور نحو إنتاج الكرونوغراف الأوتوماتيكي الذي نحتفل هذه السنة بيوبيله الذهبي. إذا أردنا أن ننطلق من مقاربة معاصرة لصناعة الساعات، يمكننا القول أن كل من الدور قد حققت فوزاً خاصاً بها، لذلك لا يمكننا أن نحدد موقع كل منها على منصة الربح بشكل قطعي. فإذا كان El Primero هو حركة الكرونوغراف الأوتوماتيكية الأولى التي تم الكشف عنها، في البداية، ولكن عندما تم إطلاق  Cliber 11 من قبل Project 99 كانت لدى هذا التحالف القدرة على الكشف عن عدد أكبر من النماذج الوظيفية المرتكزة على هذا الكاليبر، كما أن Seiko استطاعت أن تدخل المنافسة وتكشف عن الكرونوغراف الأوتوماتيكي الآسيوي الأول في تلك السنة أيضاَ، فحققت بذلك انتصارها الخاص.  

 

إعداد: ليزا أبو شقرا

مجلة عالم الساعات والمجوهرات العدد 126

مقالات ذات صلة