الوقت معلّق في الهواء

إن سحر الرحلة الجوية في المنطاد يؤدي بنا إلى التفكير ملياً بكيفية مرور الوقت.

على علو ألف متر في السماء الزرقاء الصافية، فوق المنظر الخلاب للثلوج، وفي جو صافٍ خالٍ من الرياح، قفزت فكرة إلى بالي فجأة: «الوقت يطير.» هي عبارة نكثر استعمالها في حياتنا اليومية الحافلة بالأحداث، التي تجعلنا نوعاً ما لا نفطن إلى مضي الزمن، بل نشعر وكأنه يركض أسرع منّا، لا بل يطير. ولكن هناك، في ذلك اليوم الشتوي الرائع، وعلى مدى ساعتين ونصف، الوقت بدا وكأنه معلق مثلنا في الهواء.

chateau_d'oex_international-balloon-festival

كضيوف لـ Parmigiani Fleurier الراعي الرسمي لهذا الحدث للسنوات العشرة الماضية، شاركنا في Château d’Oex International Balloon Festival في سويسرا، وانطلقنا مع المشاركين في أسطول مؤلف من ستين منطاداً، زيّن السماء الزرقاء بألوان زاهية، وقد برز من بينها ذلك البرتقالي الخاص بالدار والذي كان يطفو في الهواء حاملاً عبارة “Time is Flying” كشعار له.
يمكننا القول أنه وفي عالم تنجذب فيه معظم دور الساعات إلى الرياضات المرتبطة بعالم اللوكس والرفاهية كسباقات المحركات، وبطولات الفروسية والبولو، يبدو مهرجان المناطيد الهوائية مميزاً وممتعاً. في Château d’Oex الذي أصبح مع مرور السنوات بمثابة المركز الرئيسي لهذه المهرجانات في منطقة جبال الألب، وذلك بفضل مناخه المناسب، أمضينا في هذا المكان يومين في ضيافة Parmigiani وسط الثلوج الكثيفة، ولكن مذاق «الفوندان» الشهي أضفى على رحلتنا دفئاً ونكهة سويسرية مميزة.

parmigiani_fleurier-balloon-preparation

إن هذا المهرجان بطبيعته غير المألوفة كثيراً في عالم صناعة الساعات، يبدو مناسباً جداً لدار Parmigiani Fleurier التي لطالما سلكت دربها الخاص في القطاع، فيمكن وصفه بالمتواضع ولكنه ملهِم ومثير، هي مغامرة ولكنها في الوقت نفسه «لطيفة» جامعة للمشاركين فيها، ولهذ السبب تم اختيارها من قبل الدار «نحن نحب أن ننظم نشاطات يمكن لزوّارنا المشاركة فيها، وليس فقط مشاهدة أحداثها» بحسب قول مؤسس الدار Michel Parmigiani.

parmigiani_fleurier-balloon-chateau_d'oex_international_festival

ومن ناحية أخرى، أدركت خلال هذا الحدث وجود نقاط مشتركة أخرى بين الدار والمهرجان، فقيادة «البالون» كما أخبرني Claude Guithard، ربّان المنطاد الذي كنت على متنه، تتطلب الكثير من الدقة، وهنا يكمن المنحى التنافسي في مهرجان المناطيد. فالجائزة الكبرى هي ساعة Parmigiani والرابح هو من يستطيع رمي حلقة من الجو وجعلها تهبط حول قبة الكنيسة المحلية، ما يتطلب قدرة خارقة ودقة لا مثيل لها. والجدير بالذكر أن قيادة المنطاد تعتمد على تقوية أو تخفيف شهب النار ما يجعله يرتفع أو ينخفض، ويتعرض لتيار هوائي آخر يغيّر له مساره. وبهذا تصبح مهمة رمي الحلقة صعبة جداً، والدليل على ذلك أنه وخلال 10 سنوات تم ربح المسابقة مرة واحدة فقط.

parmigiani-balloon-festival parmigiani_fleurier-balloon-festival

إن كل من اختبر الطيران في المنطاد يدرك تماماً أنها تجربة مميزة جداً، يشعر خلالها أنه خرج من العالم، في وسط السكون الذي لا يخرقه إلا صوت حرّاق الغاز الذي يحافظ على الشعلة، والذي يخلق بدوره جواً من السحر الخاص على الموجودين. الرؤية من فوق كانت رائعة، والجولة انطلقت من Gstaad مروراً فوق بحيرة جنيف، والجبل الأبيض، وجبل Matterhorn، وباتجاه الشرق نحو بحيرة «نوشاتيل» ومنحدرات «جورا»، وبما أن الرحلة كانت مع Parmigiani كان لا بد لنا من أخذ العديد من الصور «من فوق» لساعات الدار التي تحتل معاصمنا.

parmigiani_fleurier-watch-sponsor-balloon-festival 2يمكننا القول أن صناعة وقيادة المناطيد لم تتغيّر كثيراً منذ اخترعها في العام 1782 الأخوان Joseph وÉtienne Montgolfier اللذين بدآ تجاربهما على بالون من الورق وقماش «التفتا».بدأ هذان الفرنسيان اختباراتهما عندما لاحظا أن الدخان دائماً يتجه صعوداً، فقررا أن يستفيدا من حركة «الغاز» الذي يحتويه الدخان بحسب ظنهما (وذلك على ما يبدو من دون إدراكهما لمبدأ أرخميدس الذي يقول أن نفخ البالون بهواء أكثر سخونة من الهواء المحيط به يجعله يرتفع في الجو). وبعد سنة من الأبحاث، استطاعا إرسال أول منطاد إلى الجو حاملاً كائنات حية، فوضعوا فيه بطة وديك وخروف، ومرت هذه الرحلة على خير. وبعد ذلك النجاح، وفي نوفمبر من العام 1783، أصبح عالم الفيزياء Jean-François Pilâtre de Rozier، والماركيز François Laurent le Vieux d’Arlandes أول بشريين يقومان برحلة طيران في العالم، وقد تم ذلك بحضور الملك لويس السادس عشر والملكة ماري أنطوانت.

chateau_d'oex-international-balloon-festival

ومناطيد اليوم المزوّدة بسلات مصنوعة من خشب الصفصاف المجدول، والبالونات القماشية الزاهية الألوان، لا تفرق كثيراً عن تلك الأصلية التي صنعها الأخوان Montgolfier. إنه لشعور غريب أن تجد نفسك طائراً فوق قمم الجبال في سلة، تحيط بك أسطوانات مليئة بغاز البروبان المضغوط، ومحمولاً بواسطة بالون من النايلون الرقيق الخفيف والكثير من الهواء الساخن. ولكن هذه المغامرة يطغى عليها السحر، وإذا فكرت ملياً، تجدها شبيهة من ناحية معينة بصناعة الساعات الميكانيكية، فهي لم تتغيّر كثيراً منذ اختراعها في القرن الثامن عشر، وذلك من دون أدنى شك يزيدها روعة.

 

 

كلمات مفتاحية

مقالات ذات صلة