إصداران خاصان من الساعات الراقية، موجّهان إلى هواة الجمع في الشرق الأوسط، يلخصان نهجين مختلفين تماماً لمهنة صناعة الوقت: الإصدار الأول ساعة LM1 M.A.D. Dubai من MB&F، أما الثاني فهو Polaris Al Arab Imperial لدار Grieb & Benzinger.
إن أحد التقاليد التي باتت اليوم معروفة في قطاع صناعة الوقت، إطلاق إصدارات محدودة موجّهة إلى مناطق معيّنة، تكون عادة عبارة عن نماذج موجودة أصلاً ضمن مجموعات معروفة، يتم تعديلها بإضافة لمسات تصميمية خاصة تقرّبها إلى الجمهور المستهدف.
إذا أردنا الإضاءة على النماذج الأكثر تميّزاً ضمن هذه الفئة (ونعني بذلك الأكثر اختلافاً عن الموديلات الأصلية، وبالتالي الأكثر تمتعاً بهوية خاصة) يجدر بنا توجيه بحثنا صوب دور الساعات الأصغر حجماً نسبياً، أي إلى نخبة الصانعين المستقلين، الذين ونظراً إلى ضيق انتشارهم وعملهم ضمن نطاق محدود، هم قادرون على الخلق والإبداع بمرونة ومن دون الحاجة إلى التقيّد بمتطلبات السوق والجمهور العريض.
ومن دون شك، يمكن تصنيف كل من MB&F وGrieb & Benzinger ضمن فئة «الصف الأول» بين صانعي الساعات الراقية، مع العلم أن لدى كل منهما مقاربة مختلفة تماماً عن الآخر فيما يخص هذه الصناعة: فالدار الأولى انطلقت في الأساس من مبدأ صناعة أعمال حركية فنية تقرأ الوقت، بينما علة وجود الثانية كانت تحويل آلات الوقت إلى أعمال فنية من خلال تطبيق تقنيات الفنون الأصيلة التاريخية عليها.
هاتان الساعاتان الجديدتان الموجّهتان إلى الجمهور العربي تؤكدان بوضوح هذا التباين، فالقاسم المشترك الوحيد بينهما هو استعمال الأرقام الهندية، ما يُعتبر نادراً اليوم حتى في النماذج المخصصة للشرق الأوسط.
تكون إصدارات Grieb & Benzinger عادة محدودة جداً من حيث الكمية، وذلك لأن هذه الدار متخصصة في أعمال النحت والتفريغ والطلاء، مما يجعلها غالباً تُعَدَّل بحسب طلبات الزبائن، بدل أن تكون مقيّدة بخطوط معيّنة. وفي تعليق لمدير قسم الإبداع في الدار ومديرها التنفيذي Georg Bartowiak بقول: «إن عدد كبير من هذه النماذج قد تمت صناعتها لجامعي ساعات من الشرق الأوسط، لذلك كان من الطبيعي أن نبادر إلى إطلاق مجموعة خاصة موجّهة إلى المنطقة.»
إن ساعة Polaris بنموذجها الأصلي، إذا صح التعبير (أي إذا اعتبرنا أننا يمكن أن نطلق تسمية «نموذج أصلي» على أي ساعة من إنتاج الدار)، تعمل بواسطة حركة ميكانيكية يدوية التعبئة معدّلة بالكامل في مشاغل الدار: فقد تم تفريغها بالكامل وطلاؤها بالروديوم، إلى جانب نحتها ونقشها يدوياً، كما تم تلوين البراغي والعجلات المسننة بالأزرق تحت تأثير الحرارة. أما النموذج الموجّه إلى الجمهور الشرق أوسطي تحت عنوان Polaris Al Arab Imperial، فبالرغم من كونه مفرّغ ومنحوت ومنقوش بأسلوب مشابه، إلا أن الدار قد أضفت على مينائه لونيّ الأسود والبيج الفاتح، كما لوّنت كل من البراغي والعجلات والصفيحة الرئيسية المفرّغة بنسبة 75% بالأسود، ووضعتها على قاعدة من الذهب الوردي. مما جعل هذه المكوّنات السوداء تعزز لمعان الذهب الوردي، وتضفي على الساعة مظهراً عميقاً مثيراً للإعجاب.
على جهة الميناء، أتى الميناءان الفرعيان الأول للساعات والدقائق والثاني للثواني الصغيرة مفرّغين، لامركزيين، وقد بانت من أسفلهما أجزاء من الحركة المفرّغة، وأحاط بهما القسم غير المفرّغ من الصفيحة الرئيسية وقد صيغ من الفضة المزخرفة بنقوش يدوية والمطلية بالذهب الوردي. وهذا التباين في الألوان يعززه وجود الماسات السوداء الـ 66 بقطع مربّع التي تزيّن إطار العلبة. وإضافة إلى ذلك، يمكن للدار أن تصل إلى أبعد من ذلك في التميّز إذا أراد الزبون، فتصيغ الصفيحة الرئيسية من الذهب الوردي بدل الفضة، والعلبة من الذهب الأبيض أو البلاتين.
على مدى السنوات الماضية، أطلقت MB&F عدداً من الإصدارات الخاصة المعدّلة بحسب الطلب من القطع الفنية التي تنتجها، نذكر على سبيل المثال تعاونها تحت شعار «فن الأداء» Performance Art مع كل من دار Boucheron، الفنانة الصينية Xia Hang، والساعاتي الفنلندي Stepan Sarpaneva. ولكن الدار لم تبادر من قبل إلى إصدار أي نموذج موجّه إلى منطقة معينة على وجه الخصوص، وذلك رغبة منها بأن لا تمنح الأفضلية لأي منطقة على الأخرى. إلا أن افتتاح M.A.D. Gallery في دبي كان بمثابة الحافز لإنتاج ساعة LM1 M.A.D. Dubai التي يجب علينا النظر بعيداً إلى الخلف لاكتشاف جذورها.
الذين يعرفون دار MB&F يدركون شيئين: الأول أن حرف الـ F من اسمها يعني Friends، والثاني أن
Maximilian Büsser يظهر اهتماماً فعلياً بأصدقاء الدار، مما جعله على سبيل المثال يطلق العام الماضي الإصدار الإحتفالي الخاص بالعيد العاشر للدار HMX الذي من خلاله شكرت أصدقاءها الأوفياء وجامعي ساعاتها على دعمهم المستمر خلال العقد المنصرم. وبما أن شركة «أحمد صدّيقي وأولاده» كانت من الشركات القلائل التي بدأت بشراء ساعات MB&F حتى قبل إنتاج القطع الأولى منها، فإن هذه العائلة لطالما ارتبطت بالدار بعلاقة صداقة وطيدة، لتؤكد عليها من خلال افتتاحها M.A.D. Gallery في دبي. وهذه الصداقة هي بمثابة الجذور الأساسية لإطلاق ساعة LM1 M.A.D. Dubai.
إن استعمال اللون الأخضر في الساعات المخصصة للشرق الأوسط هو أمر طبيعي، ولكنه لا يخلو من المخاطرة، لذلك فإن الميناء «أخضر وليس أخضر»، وقد تم تلوينه من خلال معالجته كيميائياً بتقنية CVD المستعمَلة أصلاً في صناعة الأجزاء الصغيرة الخاصة بالآلات الإلكترونية، وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استخدامها في صناعة الساعات. من هنا اعترف Büsser أنه لم يكن يملك أدنى فكرة إن كانت هذه التقنية ستنجح عند استعمالها على ميناء الساعة (أي على مساحة أكبر نسبياً من مساحة تلك الأجزاء الصغيرة). ولكن النتيجة أتت رائعة، فميناء الساعة يبدو لامعاً، تدرجاته تتبدل بين الأخضر والأزرق والبنفسجي، تماماً كما تتبدل ألوان بقعة من البترول على طريق رطبة، أو ريشات الطاووس باختلاف انعكاسات الضوء.
أما المواد التي ستُصنع منها العلبة فقد كانت بدورها بمثابة أحجية: لقد درجت الدار على صناعة علب مجموعة Legacy Machine من الذهب، ولكن ذلك على الأرجح لن يكون مناسباً لعدد كبير من الجامعين في الشرق الأوسط. من جهته Maximilian Büsser اقترح الفولاذ، ولكن آل صدّيقي وجدوا أن التيتانيوم مناسب أكثر. Büsser أصر على رأيه لأن إنتاج العلب من التيتانيوم من شأنه أن يرفع كلفة إنتاج الساعة وبالتالي سعر مبيعها، ولكن الغالب كان اقتراح آل صدّيقي، فصُنعت العلبة من التيتانيوم، وهي بالتأكيد مسكن مثالي لذلك الميناء الاستثنائي، وللحركة المزخرفة بأسلوب رائع.
هناك عامل مشترك آخر يجمع بين LM1 M.A.D. Dubai
وPolaris Al Arab Imperial: هما تؤكدان أنه للتوصل إلى إنتاج عمل مميز، لا يجب المساومة على مستوى الجودة في التصميم والتنفيذ. وذلك أبرز جاذب لهواة الجمع.