ما بال الساعاتيين يعيدون اليوم إلى الأذهان مشاهد من العصر الحجري، فيحفرون في أعماق الأرض أو يستعينون بأحجار من الفلك لصناعة وجوه ساعاتهم..!
موانئ من الأحجار الكريمة والنصف كريمة وأخرى مصنوعة من شظايا النيازك، وجوه متحجرة، ولكنها جميلة تجذب الجامعين والشغوفين بالقطع المميزة.
من آخر الإصدارات التي صنع ميناؤها بأحجار نيزكية، ساعة Master Calendar Meteorite Dial من دار Jaeger-LeCoultre التي أتت بميناء من شظايا الكويكبات الواقعة ضمن الأسطوانة الفلكية Asteroid Belt التي تقع بدورها بين مداريّ المرّيخ والمشتري. ولكن كيف تصل هذه الشظايا إلينا؟ نتيجة الحركة الدائمة التي تقوم بها الكويكبات، يحدث أن تصطدم ببعضها في بعض المرات، فتسقط بعض الشظايا الناتجة عن هذا التصادم باتجاه الأرض، لكن وبما أنها تخرق الغلاف الجوي بسرعة الآلاف من الكيلومترات في الساعة، فإن قسماً كبيراً منها يحترق في الجو ولا يصل إلى قشرة الأرض، ما يجعل تواجدها قليلاً على سطح الكرة الأرضية. تتواجد هذه الظاهرة في القطب الجنوبي بشكل رئيسي، وتشكل هذه المنطقة مخزناً رئيسياً وحصرياً إلى حد ما لهذه الثروة، مما يجعلها مقصداً لصائدي الكنوز وعرضة للاستغلال التجاري. ولكن الحجر الخام المستعمل في صناعة ميناء Master Calendar Meteorite Dial هو من مصدر مختلف، فقد استُخرج من حجر نيزكي تم اكتشافه في السويد. والجدير بالذكر أن جميع موانئ المجموعة قد تم اقتطاعها من الحجر نفسه، وهي من هنا تتمتع بالصفات نفسها من حيث التركيبة، ولكنها تختلف من حيث الخطوط الطبيعية المتشابكة التي تتخللها، مما يجعل كل قطعة منها تبدو وكأنها فريدة من نوعها، وقد صُنعت علبها من الفولاذ أو الذهب الوردي بقطر 39ملم وسكنتها حركة أوتوماتيكية تمنح وظائف الروزنامة الكاملة ومراحل القمر والثواني الصغيرة.
من جهة أخرى، تتجه بعض الدور إلى إثراء مجموعاتها بأنواع أخرى من الموانئ المتحجرة، ومنها من تتفنن وتبدع في صناعتها، مثل دار Cartier التي أعادت إلى الواجهة في العام 2014 تقنيتين قديمتين من فن الفسيفساء في ساعة Cartier Panther Stone Mosaic Motif ، تقوم الأولى عل صف أحجار مربعة متناسقة لخلق الخلفية المناسبة للوحة، التي يتم رسمها من خلال التقنية الثانية بواسطة أحجار شديدة الصغر مختلفة الأشكال تُدعى tesserae، تُصَف بطريقة فنية دقيقة لتُظهر تفاصيل النمر الذي يتوسط الميناء.
أما الموانئ المصوغة من الأحجار الكريمة فهي تندرج ضمن اهتمامات العديد من الساعاتيين منذ زمن طويل وحتى أيامنا هذه، فدار Piaget على سبيل المثال أرجعت من خلال مجموعة Altiplano Hard Stone Dials نزعة الموانئ الحجرية التي أطلقتها للمرة الأولى في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وجمتعها مرة جديدة مع ميزة أخرى للدار كشفت عنها أيضاً في تلك الفترة نفسها، وهي الحركات الشديدة الرقة التي شكلت إنجازاً للدار وقتئذٍ. أما الساعات التي أطلقتها الدار عام 2012 من ضمن هذه المجموعة فقد توسطتها موانئ مصوغة من الملاكيت، الأوبال، التوركواز، الياقوت، اليشم واللازورد، كما استعملت أيضاً عدداً من هذه الأحجار لصياغة موانئ ساعات المجوهرات من مجموعة Extremely Piaget التي بدأت بالكشف عنها في أواخر العام 2014.
أما دار Louis Moinet فبعد أن احتفلت بالكنوز الأرضية من خلال مجموعتها Treasures of the World، حيث دخلت في شراكة مع عالِم الأحجار الشهير عالمياً Daniel Haas، واستعانت بما اصطحب معه من ثروات طبيعية خلال رحلاته العديدة حول العالم لصياغة موانئ مجموعتها Vertalis في العام 2012، كشفت مؤخراً عن نوع آخر من الموانئ «المتحجرة» إذا جاز التعبير، فصنعت ميناء ساعة Jurassic Watch من عظام ديناصور بلغ عمرها 150 مليون عام. هذه الساعة المحدودة الإصدار بـ 12 قطعة فقط سكنت علباً من الذهب الوردي، وهي تعمل بواسطة حركة كرونوميتر أوتوماتيكية كاليبر LM34 خاصة بالدار، تتمتع بمخزون للطاقة من 48 ساعة.
كما وأطلقت دار Jaquet Droz بدورها مجموعة Sunstone التي تزيّنت بموانئ من أحجار الأفنتورين التي تتخللها نثرات من الذهب فتجعلها مضيئة براقة. تضمنت هذه المجموعة ثلاثة نماذج هي Grande Seconde Sunstone وPetite Heure Minute Sunstone وLady 8 Sunstone صيغت جميعها من الذهب الوردي ورُصّعت بعض قطعها بالماس على أطر علبها، وهي تعمل بواسطة حركات أوتوماتيكية من صنع الدار.
هذه أمثلة معدودة عن قدرة الساعاتيين على تحويل الأحجار إلى مساحات فنية تقرأ الوقت، وذلك بلا شك نتيجة الجهد المهول الذي يبذلونه في صناعة هذا النوع من الموانئ المعروفة بصعوبة إنجازها نظراً إلى قساوة الأحجار حيناً أو هشاشتها في حين آخر، التقنيات المعقدة والمعدات الدقيقة المخصصة لقطعها وصقلها. وجوه حجرية نعم، لكنها تبعث الإبتسام إلى وجهنا بكل تأكيد.