بالنسبة إلى بعض جامعي الساعات، فإن القطعة الرئيسية في مجموعاتهم غالباً ما تكون ساعة تاريخية شديدة الندرة (مثل ساعة Rolex Cosmograph ref. 6240 على سبيل المثال) أو آلة وقت تتمتّع بمصدر شديد التميّز (على سبيل المثال ساعة Patek ref. 2499 كانت تعود ملكيتها إلى النجم البريطاني Eric Clapton)، بالنسبة إلى آخرين، فإن نجمة المجموعة يمكن أن تكون آلة وقت معاصرة وفية لبعض التقنيات التقليدية لصناعة الساعات – وبتعبير آخر ساعة مصنوعة يدوياً بالكامل. وهذا يعني أن إنتاجها تم من دون أن تتضمّن حركتها الميكانيكية أجزاءً تم قطعها بواسطة آلات التصنيع باستخدام الكومبيوتر، من دون أي خطوة تصنيع آلية، ولا استخدام أي أداة ميكانيكية.
في حين أن عمليات التجميع والتشطيب اليدوية تُعتبَر من المعايير النخبوية في عالم صناعة الوقت اليوم، فإن الإنتاج اليدوي باالكامل هو ميزة مختلفة تماماً.
قبل الثورة الصناعية، كانت صناعة أجزاء الساعات الميكانيكية تتم فقط يدوياً، وكان إنتاجها فردياً. على سبيل المثال، لصناعة الجسر، يبدأ الساعاتي بإحداث فتحة في صفيحة من النحاس، وبعد ذلك يقوم بقطع هذا الجزء الذي يعمل على إنتاجه من الصفيحة النحاسية بواسطة منشار يدوي. وهذه المهارات لم تعد اليوم تُدَرَّس في المدارس المتخصصة بتعليم صناعة الساعات.
لذلك فإن السؤال الحقيقي اليوم لم يعد: “هل يمكن الحصول على ساعة مصنوعة يدوياً؟” بل أصبح: “إلى أي مدى يمكن أن تكون الساعة يدوية الصنع؟” هناك عدد قليل من فناني صناعة الساعات الذين ما زالوا يحافظون على قسم كبير من التقنيات الأصيلة، وأبرز هؤلاء الفنانين هم Roger W. Smith، Beat Haldimann، McGonigle، Vianney Halter و Philippe Dufour. ولكن ذلك لا يعني أن أحداً من هؤلاء لم يستعن يوماً بالتقنيات التكنولوجية المتطورة، فهم من الممكن أن يستعينوا بتلك التقنيات بهدف الحصول على القليل من المساعدة إن في التصميم أو خلال مراحل الإنتاج.
ويمكننا القول أن ذلك ينطبق على ساعة Hand Made 1 الجديدة من إنتاج Greubel Forsey، وهي آلة وقت مصنوعة يدوياً بنسبة 95%، من النابض الشعري وصولاً إلى الحزام الجلدي. الإستثناءات هي النابض الرئيسي، أحجار الياقوت الصناعية، الأجزاء العازلة للعلبة، الكريستال السافير وقضبان النابض.
بالنسبة إلى دار Greubel Forsey، هذا النموذج الأول من ساعة Hand Made 1، تطلب إنتاجه 6,000 ساعة من العمل، أي ما يعادل ثلاث سنوات من العمل. (وهذا ما يجعل هذا النوع من الساعات بعيدة عن إنتاجات الشركات الكبرى التي تنتج آلات الوقت على نطاق واسع).
كل من لديه اطّلاع على قصة الساعاتيين Robert Greubel و Stephen Forsey، هو يعلم كم أنهما متعلقان بتقنيات الإنتاج اليدوية. وإصرارهما هذا على الحفاظ على التقنيات التقليدية وتمريرها إلى الأجيال الجديدة من الساعاتيين، ظهر جلياً من خلال ساعة Naissance d’une Montre 1 project التي أنجزوها بالتعاون مع فريق Time Æon Foundation منذ عدة سنوات، وقد قاد هذا العمل كل من Greubel و Forseyإلى جانب Philippe Dufour.
وها هي اليوم ساعة Hand Made 1. بالنسبة إلى هذا العمل، فإن فكرة إعادة استخدام حركة موجودة أصلاً لم تكن واردة. الهدف لم يقتصر على صناعة أجزاء الحركة بالطرق التقليدية فقط، بل أضف إلى ذلك ملاقاة معايير الجودة والدقة التي بإمكانها أن تنافس عمل التجهيزات الآلية الحديثة والمتطورة. وبتعبير آخر، كان المطلوب هو الوصول إلى مستوى عالٍ جداً من الدقة على مقياس المايكون، وذلك باستعمال الأدوات والآلات اليدوية فقط.
إن ساعة Hand Made 1 هي ساعة تمنح الوظائف البسيطة أي قراءة الوقت بالساعات والدقائق والثواني، إضافة إلى التوربين (الذي لا يمكننا وصفه بالبسيط). وبالرغم من ذلك فإن بساطة هذه الساعة هي نسبية على أساس السهل الممتنع. فللحصول على 308 مكوِّن (272 منها للحركة و36 للعلبة) لساعة Hand Made 1، كانت هناك حاجة لأكثر من 800 جزء – كل منها تم تصميمه من نقطة الصفر. والوصول إلى المستوى المطلوب من الدقة كان عبارة عن عملية طويلة الأمد تتطلب الكثير والكثير من العمل والتصحيح على مدى الدقائق.
بالمقارنة مع الطرق الحديثة للإنتاج، فإن عامل الوقت هو خارج نطاق البحث. على سبيل المثال، تستطيع المخرطة الأوتوماتيكية، من خلال 12 عملية مُدارة من آلة تعمل بواسطة الكومبيوتر، أن تنتج 500 برغي مرة واحدة، أما إنجاز الـ12 عملية إنتاج باليد فهو يتطلب 8 ساعات من العمل، وينتج عنها برغي صغير واحد. والوقت الذي تحتاجه صناعة عجلة واحدة لساعة Hand Made 1 يبلغ 600 ضعف الوقت الذي يحتاجه إنتاج عجلة بواسطة الآلات الصناعية.
ولعل الأمر الأكثر إثارة للانتباه هو أن نابض التوازن تمت صناعته يدوياً في مشاغل الدار (بينما قلة قليلة من الدور الأخرى تملك الخبرة لصناعته حتى بواسطة الآلات المتطورة). المزيج المعدني تم تشكيله يدوياً ومن ثم لفّه بواسطة آلة يدوية (من دون مساعدة الكومبيوتر). والجدير بالذكر أن عدداً قليلاً جداً من النوابض يمكن إنتاجه سوياً، بينما في الإنتاج الصناعي فيمكن إنتاج المئات أو الآلاف من النوابض مرة واحدة.
وغني عن القول أن كل مكوّن من هذه الساعة قد تم وضع اللمسات الأخيرة عليه وتزيينه يدوياً، من أصغر أجزء الحركة وصولاً إلى التزيين الرائع بتقنية gratté على الصفيحة الرئيسية وعلى الإطار المحيط بالميناء المفرَّغ والذي تم طلاؤه يدوياً بالمينا. وبطبيعة الحال، تمت صناعة العلبة يدوياً بالكامل، وقد تم استعمال أداة مخرطة ميكانيكية لذلك. وانطلاقاً من هنا، ليس مستغرباً أن إنتاج هذه الساعات من قبل Greubel Forsey لن يتعدى القطعتين أو الثلاثة فقط سنوياً.
وهناك أيضاً تفصيل صغير على وجه الساعة يؤكد على روعة هذا الإنتاج، فقد استُبدلت عبارة SWISS MADE التي توضع عادة على الإطار عند الـ6 بعبارة HAND MADE.
إعداد: ساندرا ليين
مجلة عالم الساعات والمجوهرات العدد 126