Gérald Genta مصمم أيقونات الوقت

 

عندما توفي Gérald Genta في العام 2011 عن عمر ثمانين عاماً، كان بالنسبة إلى محبّي آلات الوقت بمثابة أسطورة. هذا المصمم الشهير قد تنقّل على أوسع نطاق بين دور الساعات، فكان بإمكانه ابتكار التصاميم الجديدة بسهولة شديدة وخلال فترة قصيرة نسبياً، كليلة واحدة من العمل داخل مشغله أو خلال خمس دقائق خلال جلوسه على طاولة المطعم.

من Rolex إلى Timex مروراً بـ Bulova وBreguet، عمل Genta مع هذه الدور جميعاً، وهو قد صرّح خلال مقابلة أجريت معه في العام 2009 أنه قام بتصميم 100,000 ساعة حلال حياته المهنية. أكان هذا الرقم صحيحاً أو لا فإن ذلك لا يهم، ولكن ما لا شك فيه هو أن Gérald Genta هو رجل ذو تاريخ غير مسبوق، وأعمال غزيرة في عالم صناعة الوقت.

إن الإنجازات الخاصة بالمصمم العظيم يُنظر إليها من خلال أعظم أعماله، من هنا فإن شهرة Gérald Genta ستكون مرتبطة إلى الأبد بساعات Royal Oak وPolerouter، وليس بساعات Grande Sonnerie أو Turbo.

فالتصميمان الخاصان بساعات Universal Genève Polerouter وGérald Genta Grande Sonnerie أتيا في مرحلتين متناقضتين من مسيرة Genta العملية. الأول تم إنجازه عندما كان ما يزال في البدايات، يتقاضى ما قدره 15 فرنك سويسري عن كل تصميم، أما الثاني فقد أطلقه بعد أن أصبح مصمم الساعات الأشهر عالمياً. وذلك يبدو واضحاً وجلياً، فإذا نظرت إلى الساعتين في الوقت عينه، لا شك فإنك بالتأكيد سوف تظن أن شخصين مختلفين قد قاما بتصميمهما.

فساعة “Polarouter” كما كانت تسميتها عند إطلاقها، هي عبارة عن عن نموذج احتفالي أطلقته Universal Genève في العام 1954 لتخليد ذكرى الرحلة الجوية التجارية الأولى التي تمر من فوق القطب الشمالي. والتصميم الذي منحه Genta لهذه الساعة كلاسيكي الطابع، غير مرتبط بمكان أو زمان، فأتت هذه الساعة مستديرة قطرها 34,5ملم، يتوسطها ميناء بسيط يحيط به إطار مرتفع يحمل مؤشرات الساعات، مع ثلاثة عقارب مركزية من الفولاذ. في العام 1955 تحوّل اسمها إلى Polerouter، وهي من أكثر النماذج شهرة بين إنتاجات Universal Genève. لكن وبالرغم من كون Genta كان يعمل مع

Audemars Piguet منذ العام 1953، تُعتبر Polerouter النجاح الأول له، مع أنه لم يحصد الكثير من هذا النجاح. هي ساعة ملائمة لكل المناسبات، مصنوعة من الفولاذ أو الذهب أو الفولاذ المطلي بالذهب، مع أو من دون نافذة للتاريخ. والجدير بالذكر أن الدار عندما طلبت من Gérald Genta تصميم هذه الساعة، حدّدت له حاجتها بالتحديد، يجب أن تكون بسيطة، مناسبة ليتم ارتداؤها مع الأزياء الرسمية، ومع أنه معروف بموهبته الفذة في ابتكار الأفكار الجديدة، إلا أن المصممين في تلك الفترة كان يجب عليهم الإلتزام ببعض الخطوط التقليدية مما يحد من حريتهم في رسم الخطوط الأولى لقطعهم.

أما ساعة Gérald Genta Grande Sonnerie فهي من النماذج الخارجة عن المألوف، فتصميمها لا يشبه الكلاسيكية بشيء، وهي من القطع التي يمكن ارتداؤها من قبل قلة من الناس. فمصممها هو رجل قد وصل إلى مرحلة متقدّمة جداً من التطور في عمله، واكتسب شهرة عالمية، تسمح له بالتمادي على قدر ما يريد في الإبتكار والإبداع، ما يجعل الوضع مختلفاً عن ما كان عليه عندما كان شاباً مبتدئاً في الثالثة والعشرين. أربع قطع فقط أنتِجت

من هذه الساعة، صيغت ثلاثة منها بالذهب حيث تنوّعت بين ألوانه الثلاثة الأبيض، الوردي والأصفر، بينما أتت القطعة الرابعة مصوغة بالبلاتين، وبقيت لفترة من الزمن تُعرف بساعة المعصم الأكثر تعقيداً في العالم. لا شك أن العلبة المثمنة الأطراف، المزودة بأربعة تيجان توازي الميناء تعقيداً. تمنح هذه الساعة وظائف Petite Sonnerie وGrande Sonnerie

اللتين تقرآن الوقت بواسطة أنغام Westminster الشهيرة، إضافة إلى الدقائق التردادية، الروزنامة الدائمة، السنة الكبيسة، مؤشر الساعات الـ 24 للتوقيت الزمني الثاني، وآخر لمخزون الطاقة الذي يصل إلى 48 ساعة، كما تضم توربيون الدقيقة الواحدة  مع عقرب ضابط. وعلى رأس هذه الميزات جميعها، تربّع إسم Gérald Genta عند الـ 12 من الميناء بشكل واضح.

في الوقت الذي كان فيه Genta يصمم الساعات الراقية ويضع عليها توقيعه الخاص، يمكننا القول أنه كان في قمة مسيرته العملية. في هذه الفترة كان قد وصل إلى مرحلة من الإحتراف والشهرة، قلة قليلة من المصممين استطاعوا بلوغها. فتصاميمه استطاعت أن تثير اهتمام جمهور وخبراء الساعات من حول العالم.

في العام 1998، كان Genta ينوي بيع شركته التي تحمل اسمه Gérald Genta إلى مجموعة Hourglass Group، وهي شركة ساعات مقرها سنغافورة. ولكن السياسة التي كانت تتبعها الإدارة الخاصة بهذه الشركة لم تعجبه، فالنتائج التي كانت تأتي بها لم تكن على مستوى توقعاته، من هنا كان سعيداً عندما قررت Bulgari أن تشتري إسمه عام 2000. وفي العام 2001 أطلق مشروعه الجديد، ساعات Gérald Charles التي كانت تُنتج بشكل حصري لحساب Bulgari.

تجدر الإشارة هنا إلى أن Gérald Genta كان مصمماً، وليس ساعاتياً. ومع أن المعرفة التي كان يتحلى بها في مجال صياغة الذهب ساعدته في تصميم علب الساعات، إلا أنه كان يستعين بخبرة الساعاتيين عند تصميم الحركات الميكانيكية. على سبيل المثال، الحركة التي كانت تنبض داخل ساعات Gérald Genta

Grande Sonnerie كانت من تصميم الساعاتي السويسري Pierre-Michel Golay الذي قام بتصميم عدداً من أهم نماذج ساعات Franck Muller.

وللصدفة، لم تكن هذه المرة الأولى التي عمل فيها Genta مع شخص من عائلة Golay (مع العلم أن الشخصان لا تربطهما أي صفة قرابة). ففي أحد أيام العام 1970، تلقى Genta إتصالاً من George Golay، وهو كان في تلك الفترة يشغل منصب المدير الإداري في دار Audemars Piguet، التي كانت

على شفير الإفلاس. في ذلك الإتصال، طلب Golay من Genta تصميم ساعة رياضية للدار مصنوعة من الفولاذ وتتمتع بقدرة عالية على مقاومة ضغط الماء، وأضاف أنه بحاجة إلى هذا التصميم خلال 24 ساعة. وفعلاً، أنجز Gérald Genta تصميم Royal Oak خلال ليلة واحدة من العمل في مشغله، وهي ما زالت حتى اليوم إحدى أهم مجموعات الدار الأيقونية، وإحدى أرقى مجموعات الساعات في العالم.هذه الساعات أتت مغايرة لكل ما عُرفت به Audemars Piguet،

فأتى تصميمها عبارة عن علبة فولاذية مثمنة الأطراف، مع سوار مدمج فيها وثماني براغي ظاهرة على إطار العلبة. في البداية لم يكن إداريّو الدار مقتنعين بهذا التصميم، ولكن لم يكن لديهم أي خيار آخر إلا المغامرة بما لم يكن مألوفاً في تلك الأيام. بعد سنوات من هذا الحدث، يسترجع Martin Wehrli مدير Audemars Piguet Museum ذكريات إطلاق Royal Oak في معرض بازل عام 1972 قائلاً: «عندما أطلقنا المجموعة، كان لدينا جناح موجود في إحدى زوايا المعرض، مع نافذة على الرواق الرئيسي. كانت الساعة معروضة في واجهة عرض ظاهرة، وكان المارة يتوقّفون للتفرّج عليها، ويقولون أنها قطعة رائعة، وعند الإبتعاد قليلاً عن الجناح كانوا يقولون أنهم بعد ستة أشهر سيتمكنون من شرائها، لأن الدار في ذلك الوقت ستكون قد أعلنت إفلاسها».

كانت ساعة Royal Oak المصنوعة من الفولاذ تباع بـ 3750 فرنك سويسري، بينما كان سعر الساعات المصوغة من الذهب يوازي 850 فرنك سويسري. استغرق بيع القطع الألف الأولى منها سنة كاملة، ولكن هذه المجموعة أنقذت الدار من الإفلاس. ومع أن اسم Gérald Genta كان ما يزال بعيداً عن الأنظار في تلك الفترة، إلا أن الخبراء في القطاع أدركوا أنه يتمتع بأهمية لا يستهان بها. وبالفعل، بعد ست سنوات، قام بتصميم Patek Philippe Nautilus، وهي بدورها ساعة فولاذية رياضية، أعطت معنى جديداً لصناعة الساعات الراقية.

من الممكن القول أن شهرة Gérald Genta آتية من كونه أحد مصممي الساعات القلائل الذين نعرفهم بالإسم. وبما أن اسمه معروف، فهو يُرَدَّد كثيراً في القطاع، فتزداد شهرته ويتّسع انتشاره. فهل يمكننا تطبيق هذه النظرية على أي مصمم آخر؟ الحقيقة هي أن اكتشاف اسم مصمم آلة الوقت ليس بالأمر السهل، خصوصاً إذا لم يكن مذكوراً في أي وثيقة. فبراءة الإختراع الخاصة بساعات Nautilus، تفيد بأن Philipp Stern هو مبتكر هذا التصميم، وليس Genta. حتى أن اسم Gérald Genta ليس مذكوراً على الموقع الإلكتروني الخاص بـ Patek Philipp.

إن إسم Gérald Genta عُرف وانتشر بفضل تصاميمه الرائعة التي أثارت الكثير من الفضول لمعرفة صاحبها. إحدى المجلات اليابانية المتخصصة بالساعات ذكرت أن Genta هو مصمم Nautilus، ولكنه بالتأكيد لم يستطع إثبات هذا الأمر رسمياً. ولكن الملفت أن IWC Schaffhausen على سبيل المثال، سارعت إلى التصريح أن Genta كان قد أعاد تصميم نماذج مجموعتها Ingenieur في السبعينيات.

المضحك في الموضوع، أن Ingenieur هي من الساعات التي صممها Gérald Genta ولكنه لم يقتنِ أي قطعة منها. كما ومن ناحية أخرى، هو لم يمتلك أي ساعة Cartier Pasha أو أي ساعة Breguet أو Van Cleef & Arpels من تصميمه. كان يؤمن أن قارئة الوقت هي «نقيض الحرية»، لذلك فإن مجموعة الساعات التي كان يمتلكها كانت محدودة. فهو امتلك قطعة من النموذج الأول لمجموعتيّ Royal Oak وNautilus، كما أنه ابتكر موديلاً خاصاً به من Royal Oak جمع فيه بين لونين للمعدن. إلى جانب ذلك، كان Genta يمتلك عدداً من النماذج الأولية للساعات التي كان يصممها، كما أنه وجد ساعة Gérald Charles Turbo غير مريحة في الإستعمال.

لم يحب Genta يوماً الساعات السميكة، وكان يعتقد أن ساعات Royal Oak Offshore خرّبت التصميم الأصلي الذي وضعه للمجموعة الرياضية في الأصل، كما أنه كان يعتقد أن تصميم علبة Reverso أنثوي ومناسب أكثر للجنس اللطيف. من جهة أخرى، كان نادماً لأنه لم يقم بتصميم أي نموذج من مجموعة Rolex Datejust لأنها بالنسبة إليه كانت بمثابة آلة الوقت المثالية.

هناك الكثير من الأقاويل والشائعات التي أحاطت بمسيرته المهنية التي دامت لأكثر من خمسين عاماً. البعض يقولون أنه قام برمي المعدات التي كان يستعملها للصياغة في بداياته في نهر الـ Rohne وذلك تعبيراً عن استيائه لعدم إيجاده أي فرصة عمل. كما يقال أنه كان قد صمم ساعات Royal Oak في الأصل لدار Bulova، ولكن هذه الأخيرة أحبطته. كما يقال أيضاً أن ساعة Vacheron Constantin Ref. 222 هي من تصميمه، ولكن هذه المعلومة مغلوطة لأن مصمم هذه الساعة هو Jorg Hysek.

سواء رمى معداته في الرون أو لا، فإن عمله كمصمم ساعات مستقل يخبر عن شخصيته العازمة والمستقلة والثائرة على التقاليد أكثر بكثير مما تفعل تلك الروايات. والمعلوم أن هذه الحكايات تنمو وتكثر ليس بهدف نشر المعلومات الخاطئة عنه، بل لأن محبّي الساعات يعشقون الكلام عن قطعهم ومجموعاتهم المفضلة، وعن الأبطال الذين يقفون وراء هذه الساعات. ولا شك أن قصة Gérald Genta تعطينا عبرة مفيدة للحياة، فهو رجل بدأ من الصفر، ثار وطوّر نفسه، ورفض الإستسلام، ووصل إلى القمة بمجهوده وعزمه وعناده.

إعداد : بن نيوبورت-فوستر

مجلة عالم الساعات والمجوهرات – عدد 115

كلمات مفتاحية

مقالات ذات صلة