عقارب تتراجع إلى الوراء لتعلن عن مضي الوقت..! قد تبدو هذه الصورة غريبة بعض الشيء، ولكنها تصف بالتحديد سير عمل العقارب التراجعية retrograde التي تضفي على موانئ الساعات الميكانيكية المزوّدة بها حركة مستمرة وحيوية وحياة. هي ليست وظيفة لا يمكن الإستغناء عنها من الناحية الميكانيكية، إنما يمكن وصفها بكونها أسلوباً مختلفاً تعتمده العديد من الدور لإضفاء لمسة جمالية على وجوه البعض من نماذجها، فتزيّنها بعقرب تراجعي أو أكثر، تعرض من خلالها الوقت، التاريخ، أو وظائف الروزنامة والكرونوغراف وغيرها. والجدير بالذكر أن هذا النوع من التعقيدات ، إذا جاز التعبير، بدأ بالظهور في أواخر القرن السابع عشر في البعض من ساعات الجيب، وقد لاقى استحساناً من الساعاتي المعلم Abraham-Louis Breguet الذي استعان به لعرض وظائف مختلفة في العديد من ابتكاراته، لتتطوّر استعمالات الحركات التراجعية مع التقدّم المستمر على جميع المستويات في قطاع صناعة الوقت، وخاصة في نهايات القرن العشرين. وها هي الدور تتشبّث بعقاربها التي ترجع إلى الوراء، فتزوّد بها قسماً من إطلاقاتها الجديدة، حيث تضيف رونقاً خاصاً إلى تصاميم آلات الوقت، برقصتها اللامتناهية على إيقاع أوتار الزمن..!
ماهية الوظائف التراجعية
ولكن، كيف تؤدي العقارب التراجعية وظائفها عملياً على موانئ الساعات؟ في الواقع، من الممكن وصف هذه الوظائف بالتعقيدات نظراً إلى المستوى العالي من الدقة الذي يتطلبه إنجازها من الناحية التقنية والتصميمية، وإلى طريقتها الخاصة في قراءة الوقت، فهي وعلى خلاف المألوف، لا تدور في وسط موانئ مركزية أو فرعية مستديرة الشكل، بل تتنقل على طول عدادات خطية، غالباً ما تكون نصف دائرية تتخللها مؤشرات وأرقام تشير إلى مرور الوقت أو التاريخ، أو غير ذلك. وعندما يبلغ العقرب النقطة الأخيرة من العداد، يقوم وبحركة واحدة بالعودة إلى نقطة الصفر، ليبدأ العد من جديد، وهكذا دواليك.
هذه التقنية استعانت بها دار Harry Winston في ساعة Midnight Moon Phase Automatic 42mm التي أطلقتها من ضمن المجموعة تروي من خلالها قصة منتصف الليل في مدينة نيويورك بحسب تعبيرها. تكشف آلة الوقت هذه عن الحرفية العالية المستوى لساعاتيي الدار، فتعرض وظائف مختلفة، لا سيما الميناء الفرعي للوقت الذي يحتل القسم الأعلى من الميناء، ويتداخل مع مؤشر مراحل القمر المستدير، الذي يكاد بدوره يلامس المؤشر التراجعي retrograde النصف دائري للتاريخ، الموازي للإطار من الجهة السفلى، وكل ذلك في تصميم منظّم وواضح. أما الجهة الخلفية فهي تعرض سير عمل الحركة الأوتوماتيكية التي تسيّرها من خلال الكريستال السافيري الذي يغطيها. علبة الساعة من الذهب الوردي قطر 42.5ملم، يرافقها سوار من الجلد الأسود.
ومن ضمن المجموعة التي تحمل إسم المؤسس Pierre Arpels، أتت ساعة Heure dIci & Heure dAilleurs من Van Cleef & Arpels لتمنح توقيتين زمنيين في نافذتين تعرضان الساعات النطاطة jumping hours، أما الدقائق فتقرؤها بواسطة عقرب تراجعي يتنقّل على المؤشر النصف دائري في الجانب الأيسر من الميناء. العلبة صيغت من الذهب الأبيض قطر 42ملم، حركتها أوتوماتيكية بمخزون للطاقة من 48 ساعة وهي تظهر للعيان من خلال الكريستال السافيري الذي يغلف العلبة من الجهتين، وتنتهي بسوار من الجلد الأسود.
ومن جديد الساعات ذات الوظائف التراجعية أيضاً، ما كشفت عنه دار Jean dصEve التي أثارت الدهشة والإعجاب حولها عندما أطلقت ساعات Sectora للمرة الأولى عام 1981 بمينائها الذي يقرأ الوقت على عداد نصف دائري وبواسطة عقرب تراجعي. كما وحازت الساعات الأوتوماتيكية من المجموعة التي أطلقتها الدار عام 2006 تحت عنوان Sectora II Automatic على اهتمام الجمهور، بفضل الحركة الأنيقة للعقارب التراجعية، وتصميمها المميز حيث أضيف إسم الدار إلى وسط الميناء. واليوم تطل هذ الساعة من جديد، بمواصفات مشابهة، ولكن هذه المرة بزي أسود من الفولاذ المعالج بالكاربون DLC. تعمل Sectora II Automatic الجديدة بواسطة حركة أوتوماتيكية ETA 2892A2 سويسرية الصنع، وتنتهي بسوار من الجلد الأسود.
تقفز إلى الخلف، وتتمشى إلى الأمام
تنفرد العقارب التراجعية أحياناً بصفة العامل الجذاب على الميناء، بينما تختار بعض الدور أن تجمعها إلى وظائف معقّدة أخرى، للمزيد من الإثارة والحرفية، من هنا قامت Patek Philippe بتزويد ساعة الروزنامة الدائمة Ref.5496R-001 بمؤشر تراجعي للتاريخ. والجدير بالذكر أن هذه الساعة أتت من ضمن مجموعة التعقيدات الكبرى Grand Complications، وقد صيغت من الذهب الوردي بقطر 39.5ملم، سكنتها حركة أوتوماتيكية بمخزون للطاقة يصل إلى 45 ساعة، تحمل ختم الدار Patek Philippe Seal وتعرض أيام الأسبوع، الأشهر، مراحل القمر والسنة الكبيسة leap year.
والعقرب التراجعي للتاريخ يحتل أيضاً قسماً من الميناء الأزرق المزخرف لساعة Arceau Le Temps Suspendu البلاتينية من Hermès، وهي تتميّز بقدرتها على منح حاملها إمكانية إيقاف الوقت ومن ثم إعادة تشغيل العقارب التي تعاود قراءة التوقيت الصحيح، وذلك من خلال الزر الدفعي الموضوع عند الـ 9 من العلبة. قطر العلبة 43ملم، تسكنها حركة أوتوماتيكية بمخزون للطاقة من 42 ساعة، وتنتهي بسوار من الجلد الأزرق الداكن.
وفي الإطار نفسه تُطلق دار Baume & Mercier ساعة Clifton Retrograde Date الفولاذية قطر 43ملم، والمستوحاة من إحدى نماذجها المصنوعة في الخمسينيات، والموجودة اليوم ضمن المجموعة المحفوظة في المتحف الخاص بها. تسكن هذه الساعة حركة أوتوماتيكية بمخزون للطاقة من 42 ساعة، وهي تمنح التاريخ التراجعي، وأيام الأسبوع ومخزون الطاقة بواسطة عدادات منتشرة على القسم الأكبر من الميناء. مقاومة لضغط الماء حتى عمق 50 متراً، وتنتهي بسوار من الجلد الأسود.
من جهة أخرى، وضمن النماذج الإحتفالية التي أطلقتها IWC Schaffhausen في العيد الخامس والسبعين لمجموعة Portugieser، كشفت الدار عن ساعة Portugieser Tourbillon Mystère Rétrograde. والمعروف عن هذه المجموعة أنها، ومن خلال الكم الكبير من الآليات المعقّدة التي تتضمنها، كانت وما تزال ترمز إلى الحرفية والخبرة العميقة لـ IWC في مجال صناعة الحركات الميكانيكية. أما Portugieser Tourbillon Mystère Rétrograde الأوتوماتيكية، فهي تجمع على الميناء بين التوربيون الطائر floating tourbillon والعقرب التراجعي للتاريخ retrograde date ومؤشر مخزون الطاقة الذي يصل إلى 7 أيام، وقد صيغت من البلاتين أو من الذهب الوردي بقطر 44.2ملم.
الثواني التراجعية، حركة لا تهدأ
لا شك أن العقارب التراجعية الخاصة بالثواني retrograde seconds بإمكانها أن تخلق جواً صاخباً من الحركة على ميناء الساعة، نظراً إلى سرعة حركتها المتتابعة واستمراريتها. ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك ساعات TNT Royal Retro من دار Pierre DeRoche التي تقرأ الثواني بواسطة 4 عقارب تراجعية على الميناء، وقد أغنتها هذه المرة بوظيفة أخرى هي وظيفة التوقيت العالمي GMT الذي يُعرض في ميناء فرعي عند الـ 6، يحدّد أيضاً ساعات الليل والنهار للتوقيت الثاني. فأتت ساعة TNT Royal Retro GMT Half Hour المحدودة الإصدار بـ 201 قطعة، لتقرأ التواقيت المختلفة مع الأخذ بعين الإعتبار الفوارق الزمنية المختلفة بين 30 دقيقة وساعة، كما ويمكن التحكم بهذه الوظيفة من خلال تاج الساعة بدل من تزويد هذه الأخيرة بزر دفعي خاص لهذا الغرض، ما يُعتبر إنجازاً تقنياً بحد ذاته. قطر العلبة 47.5ملم، وهي مصنوعة من التيتانيوم الأسود PVD، مقاومة لضغط الماء حتى عمق 100 متر وتسكنها حركة أوتوماتيكية.
أما Breguet فقد أغنت مجموعة Tradition التي أطلقتها للمرة الأولى في العام 2005 بساعة Tradition Automatique Seconde Retrograde 7097، التي تعرض الساعات والدقائق في ميناء لا مركزي عند الـ 12، والثواني من خلال عقرب تراجعي retrograde seconds مجاور له. هذه الساعة مستوحاة من القطع التي كانت ينفذها Abraham-Louis Breguet في أواخر القرن الثامن عشر، تحت الطلب subscription watches، كما ويشبه تصميمها ساعات tact watches التي تقراً الوقت بواسطة اللمس، وذلك من خلال عرض الجسور bridges، العجلات barrel، آلية نشر الطاقة escapement وغيرها من أجزاء الحركة على الميناء، حيث تمركز أيضاً نظام الـ pare-chute عند الـ 4 ومهمته حماية الآلية من الصدمات، ذلك إلى جانب تزويدها برافعات pallets وزنبرك للتوازن lever escapement مصنوعة من مادة السيليكون silicon، ما يساهم في استقرار سير عمل الساعة. أتت هذه الساعة بعلبة من الذهب الأبيض أو الوردي بقطر 40ملم، وهي تعمل بواسطة حركة أوتوماتيكية بمخزون للطاقة من 50 ساعة.
وساعة 20 Second Tempograph من Louis Moinet لديها أسلوبها الخاص لعرض الثواني التراجعية، حيث يتنقل العقرب التراجعي على المؤشرات الـ 20 للعداد المقوّس الذي يمتد بين الـ 12 والـ 2، يرافق حركته ميناء فرعي صغير دوار عند الـ 9، مقسّم إلى ثلاثة أجزاء ملوّنة بالأسود والرمادي والأبيض، يشير كل منها إلى مضي 20 ثانية، فيكمل هذا الميناء دورته الكاملة مرة كل دقيقة. أما الساعات والدقائق فقد تم عرضها في ميناء فرعي آخر عند الـ 4، من خلال عقارب زرقاء متناسقة مع العقرب التراجعي. أتت هذه الساعة بعلبة من التيتانيوم قطرها 43.5ملم، وحركتها أوتوماتيكية بمخزون للطاقة من 48 ساعة.
ونصل أخيراً إلى ساعة Tirion Triretrograde من Milus الأوتوماتيكية المصنوعة من الفولاذ المعالج بالكاربون DLC بقطر 45ملم، والتي تعرض على مينائها المزخرف بأسلوب فني، ثلاثة عقارب للثواني التراجعية، يقوم أولها بعدّ 20 ثانية، ليرجع بعد ذلك إلى نقطة الصفر ويسلم المهمة إلى الثاني والثالث على التوالي، فتعيد العقارب الثلاثة الكرة في حركة مستمرة دائمة. تعرض هذه الساعة أيضاً الساعات والدقائق من خلال عقربين مركزيين، والتاريخ في طاقة بين الـ 4 والـ 5.
الوقت يمضي إلى الأمام ولا ينتظر أحداً، والعقارب التراجعية تقفز في كل مرة إلى الخلف، إلى نقطة الصفر، لتنطلق من جديد وتؤدي وظيفتها في قراءة الوقت أو الوظائف الأخرى بكل دقة، وبالقوة نفسها، وتواكب مضي الزمن. فهل يمكننا القول أن هذه العقارب تقلب كل المقاييس، وتقوم بحركات زتراجعية إلى الأمام