من نافذة طائرة مروحية تحلّق فوق المدينة الزرقاء Jodhpur، تمكنت من رؤية تاريخ المدينة وتراثها. وبعد أن حطّت الطائرة في مطار عسكريّ صغير، توجّهنا لإحياء يوم البولو البريطاني في الهند لعام 2016، برفقة Jaeger-LeCoultre، وبحضور Gai Singh II مهراجا Jodhpur .
ما إن وصلنا إلى قصر Umaid Bhawan وصعدنا السلّم، حتى سمعنا عزف الطبول، ورأينا بتلات الورد على الأرض منتشرة على سجاد أحمر فاخر. بالإضافة إلى أكاليل الورد التي وضعت على أعناقنا، ودُبغت جباهنا بنقطة قرمزية اللون. هذا هو ترحيب Rathore التقليدي الذي يعتمد كطريقة للدخول إلى منزل Gaj Singh II مهراجا Marwar في Jodhpur.
بين العامين 1928 و1943، بنى جد المهراجا الحالي، Umaid Singh II، القصر في مقابل قلعة Mehrangarh التي تقع على تلّة مرتفعة جداً تتيح تأمل معالم المدينة الزرقاء منذ منتصف أعوام 1600، وشكّل المقرَّ الرسمي للعائلة الحاكمة في Jodhpur لأكثر من 400 سنة. وعلى الرغم من أن القسم الأكبر من القصر تحوّل في سبعينيات القرن الماضي إلى فندق فخم، إلا أن المهراجا وأسرته لا يزالون يقيمون في جناح خاص في المبنى الضخم.
في ما خص تصميمه الهندسي، يحوي القصر ما يذكّرنا بتحفتين عظيمتين، هما معبد Angkor Wat في Cambodia وتاج محل في الهند. فالإندهاش بصالاته، والجلوس في غرفة التحف حيث تتدلى رؤوس الحيوانات البرية من الجدران، أو التجوّل في حدائقه الكبيرة – والتي هي موقع مذهل إلى حد كبير حيث أنه في يومنا الأخير هناك تمّ تصوير مشاهد لفيلم سينما من إنتاج Bollywood – تنقلنا كلّها إلى حقبة مختلفة.
خلال عصر يومنا الأول، توجّهنا إلى معهد Jodhpur للعب البولو والفروسية، في سيارة Cadillac من أربعينيات القرن الماضي، من مجموعة المهراجا الخاصة – التي وضعت في الطابق السفلي من القصر، وتجمهر حولها عدد من الشباب يلتقطون السيلفي أمام سيارات Rolls-Royces، Morris Minors وBuick Roadmasters.
في ميدان البولو، تمّت الإستعانة بفيل آسيوي مزيّن بالورود والزخارف الملوّنة، يسير ببطء على جوانب الملعب موفّراً نزهات للزوار. وفي إحدى زوايا الميدان، جمع عدد من الأحصنة المعروفة باسم Marwari، نوع نادر من الخيل من منطقة Marwar في
Jodhpur، التي تتحدّر من تزاوج أحصنة هندية مع أحصنة عربية.
على الرغم من أن اللعبة تعود إلى بلاد فارس القديمة، إلا أن تاريخ البولو في الهند يعود إلى قرون عديدة. إعتمدها الملوك هناك في الأصل كنوع من التدريب للخيّالة، أقرب إلى ميدان قتال. لاحقاً، تطوّرت اللعبة في شمال ولاية Manipur الهندية، حيث عرفت بـ Sagol Kangjei أو Pulu. وتعدّ Manipur المكان الأول حيث مارس مزارعو الشاي البريطانيون اللعبة في خمسينيات القرن الماضي، وقاموا بإنشاء نادي البولو الأول في العالم.
في جو أسري مريح داخل جناح Jaeger-LeCoultre الفاخر بجوار ميدان البولو، يسهل على الزوار تصوّر كيف كان ذلك اليوم منذ 85 سنة، حين تمّ الكشف عن إحدى أجمل وأهم الساعات في العالم، Reverso من Jaeger-LeCoultre. وتدور أحداث القصة في العام 1930، حين كان يقوم César de Trey الشهير في عالم صناعة الساعات، وصديق Jacques-David LeCoultre، بزيارة إلى أصدقائه في الهند وتوجّه لمشاهدة لعبة البولو. وبعد المباراة، توجه أحد اللاعبين إليه ليريه ما حلّ بزجاج ساعته، حيث لم يكن باستطاعة لاعبي البولو أن يرتدوا ساعاتهم من دون خطر تعرّضها للكسر.
وفي محاولة لإيجاد حل للمسألة، توجّه de Trey إلى LeCoultre، الذي قام بابتكار الساعة الجديدة Reverso، وهي أتت بعلبة ذات تصميم مستوحى من خطوط Art Déco، تميّزت بكونها قابلة للدوران رأساً على عقب، ما يسمح بإخفاء الزجاج لتفادي تعرّضه لأي أذى. ولتصميمها، عيّن LeCoultre شركة Jaeger SA، التي بدورها تعاقدت مع المصمم الفرنسي René-Alfred Chauvot، المخترع الفعلي لآلية الإنزلاق والثني الفريدة من نوعها.
واليوم، تتوفّر هذه الساعة بتصميمات مختلفة وتمّ جمعنا في الهند في متحف Jaeger-LeCoultre لمشاهدة مجموعة نادرة من ساعات Reverso، تتضمّن ساعات أصلية من ثلاثينيات القرن الماضي، وبعض التصاميم المتنوّعة من بينها ساعة حفر عليها شعار Batman.
وشرح مضيفنا في Jodhpur، المدير التنفيذي لدار Jaeger-LeCoultre في الشرق الأوسط Marc de Panafieu، أن «ساعات Reverso تقدّم العديد من الإحتمالات»، مضيفاً «أعرف شخصاً تقدّم بطلب يد حبيبته بواسطة ساعة Reverso. إشترى ساعة منها حفرت على خلفية العلبة عبارة «هل تتزوجينني؟»، فتراها حين تقوم بثنيها. ويمكنكم الحصول على Reverso بسيطة او مزيّنة بالأحجار الكريمة. لأننا نصنع كل شيء في معاملنا، فلا حدود للإمكانيات».
على الرغم من أن كلمة أيقونة قد استعملت بكثرة، إلا أنها في هذه الحالة مناسبة. وقال de Panafieu «من الصعب أن أشرح لماذا تحوّلت هذه الساعة إلى أيقونة»، مضيفاً «ليست ساعة دائرية، هي مستطيلة، لكن التصميم لا يمكن أن يبطل مع الوقت. لا أحد يستطيع القول أنها قديمة جداً؛ صحيح أنها كلاسيكية، ولكن لا يمكنك القول أنها «ساعة جدك» أو أن تصميمها يعود إلى 85 سنة خلت».
وبما أن Reverso موجودة في السوق العالمية منذ أكثر من ثمانية عقود، لا شك أن الدار قد أنتجت الكثير من النماذج من هذه الساعات الكلاسيكية، مما أغنى هذه المجموعة الأيقونية وجعلها من الأكثر شهرة في إنتاجات الدار. ويؤكد de Panafieu أن هذا الغنى في المجموعة من الممكن أن يسبب حيرة بالنسبة إلى الجمهور، لذلك «توجهنا إلى تبسيط الأمور»، ويتابع: «إحتفاءً بالعيد الـ 85 للمجموعة العام الماضي، أطلقنا ساعات Reverso Classic بأحجام ثلاث – صغير، متوسّط وكبير. أردنا أن نمنح الساعة طابعاً أكثر عصرية وسهولة في الإستعمال، لذا قدّمناها أيضاً بآليات أوتوماتيكية. كما أن هناك مجموعة Reverso Tribute التي تضمنت عدداً من التعقيدات».
ونظراً إلى أن أشهر ساعاتها تم ابتكارها لملاقاة حاجات لاعبي البولو، فمن البديهي لدار Jaeger-LeCoultre أن تتعاون مع منظمي British Polo Day، وهو حفل عالمي يتحدى خلاله الفريق البريطاني الفرق المحلية في 10 مواقع مختلفة حول العالم.
الهدف من الحفل هو منح المشاركين فيه خبرات مميزة في أماكن تكون جديدة بالنسبة إليهم. أما بالنسبة إلينا، الضيوف في Jodhpur، فهذا يعني أكثر من مجرّد مشاهدة لعبة البولو او تمضية بضع ليالٍ في قصر. فقد تضمّن اللقاء أيضاً عشاءً رسمياً عند أسوار قلعة Mehrangarh. وخلال عبورنا في أنفاق القلعة القديمة والممرات الحجرية، قابلنا لاعبي النار، وراقصي Rajasthani، الجمال المزيّنة وأحصنة Marwari. قدّم العشاء مع إطلالة مذهلة على المدينة المتلألئة بأنوارها المسائية، فكانت الأجواء فاتنة.
خلال العشاء الأخير في القصر، توجّهنا لمشاهدة عرض أزياء – مرفق بعرض للمجوهرات الفاخرة من إحدى الدور الهندية العريقة Amrapali – ومزاد علنيّ خيريّ جمع آلاف الدولارات لجمعيّتيّ Head Injury Through Sport و The Head Injury Foundation، اللتين تأسستا من قبل المهراجا بعد أن عانى إبنه من جروح خطيرة في ميدان البولو. كان مؤثراً جداً رؤية إبن المهراجا في ظهور علنيّ نادر خلال الحفل الخيري.
وأشار de Panafieu أنه «بالنسبة إلى Jaeger-LeCoultre، التعاون مع منظمي البولو يجب أن ينمو باستمرار»، وأضاف «لم نقل أننا نريد رياضة يمارسها العديد من الأشخاص حول العالم. صحيح أن البولو لا تزال تُعتبر من الرياضات «التي لا يمارسها الكثيرون»، ولكنها السبب الرئيس لابتكار Reverso، لذا فهذا التعاون هو عبارة عن علاقة طبيعية. واللعبة هي جزء من تاريخنا».
من خلال هذه الخبرة التي عشناها خلال عطلة نهاية الأسبوع في Jodhpur، يمكننا ان نؤكد على العلاقة الوثيقة بين صانع الساعات السويسري، التقاليد الهندية، ولعبة البولو بإرثها البريطاني. فكل أرجاء القصر والمدينة تذكرنا بالحرفية العالية، التصاميم المميزة، الإرث والتاريخ. هو اختبار لا يمكن أن يُنسى، كنز من الخبرات.
مجلة عالم الساعات والمجوهرات -عدد 115
إعداد : ليال صفي الدين