ألكسندرا حكيم… صياغة مستدامة للجمال

غالباً ما نرى العديد من التصاميم الجديدة والفريدة في عالم صناعة الحلي، ولكن هل تخيّلت يوماً أن تقع عينيك على حلية مصنوعة من ورق الزجاج أو من عيدان الكبريت..؟

نعم، لقد شاهدنا ذلك وأكثر بكثير من قطع الحلي الفريدة من ناحيتيّ التصميم والمواد، عندما قمنا بزيارة مصممة المجوهرات اللبنانية Alexandra Hakim، حيث أخبرتنا عن حكايتها المثيرة في مجال تصميم الحلي، وكشفت لنا بأسلوبها الشيّق القليل من أسرارها والكثير عن أفكارها الفريدة. 

ألكسندرا حكيم، أنت فتاة جريئة خلاقة وسبّاقة، أخبرينا عن نفسك أكثر.. لم أجد كلمات أكثر تعبيراً لبدء الحديث مع تلك المصممة اليافعة التي لا يتعدى عمرها الخامسة والعشرين، والتي دخلت إلى عالم التصميم من باب لم يسبق له مثيل في لبنان وفي الشرق الأوسط، فكان الجواب: ” لقد عدت إلى لبنان بعد إنهاء دراستي في جامعة Central Saint Martins في لندن وكلية Rhode Island School of Design في الولايات المتحدة، حيث اخترت التخصّص في مجال تصميم المجوهرات الحديثة وعلم صياغة المعادن، وهذا النوع من التخصص لا نجده كثيراً في الشرق الأوسط”. ولكن عندما وصلت إلى لبنان وحاولت العثور على مشغل لتتمكن فيه من تطبيق ما تعلّمت، أو على الماكينات والمواد التي تدخل ضمن نطاق أعمالها وتصاميمها، فإنها لم تجد ما يناسبها، لذلك: “كان عليّ إيجاد طريقة تمكنني من استعمال الماكينات والأدوات التقليدية لتنفيذ تصاميمي الخاصة من المجوهرات الحديثة”. ولكن ضمن أي فئة يمكننا إدراج قطع الحلي التي تجمل توقيعك..؟ تقول ألكسندرا: “ضمن عالم الصياغة، هناك المجوهرات الفاخرة، وتلك التي تتماشى مع الموضة، وغالباً تكون المجموعات التي يُكشَف عنها من ضمن إحدى هاتين الفئتين. ولكن المجموعات التي أقوم بابتكارها هي ما بين بين إذا صح التعبير”. وهنا يصح السؤال، كيف تقومين بذلك، فتجيب: “أسعى إلى أن تكون مجوهراتي ذات طابع حديث، تصميم فريد، وفي متناول عدد كبير من الزبائن في الوقت عينه. من هذا المنطلق أقوم بالمزج بين المواد، فأضع ضمن قطع الزينة معادن نبيلة مثل الذهب مع النحاس والفضة، كما وأجمع بين الأحجار النصف كريمة والأحجار الكريمة، وإلى ما هنالك من التقنيات التي تحقق لي هدفي، أي صياغة قطع الزينة الفريدة التي تتلاقى مع أفكاري ورؤيتي الخاصة”.

أما رؤيتها الخاصة فهي تقوم على الإستفادة من أي مادة قابلة لإعادة التدوير، وتحويلها إلى حلية جميلة بعد أن يتم استعمالها والإستفادة منها للمرة الأولى. وضمن هذا الإطار تقول: “أنا عادة أقوم بتجميع الأشياء التي أجدها في المطاعم أو في المنزل أو على الطريق مثلاً. أبدأ باللعب بهذه المواد، أتخيّل ما الذي يمكن أن أخرجه منها، وأباشر اختباراتي على القطعة”.

المجموعة الأولى أتت تحت عنوان Paramania، وكانت مصنوعة إنطللاقاً من عيدان الثقاب المستعملة التي تصفها ألكسندرا قائلة “إن هذه العيدان تبدو بالنسبة إلي جميلة جداً، ومع أنها ذات تركيبة واحدة إلا أنها تحترق بطرق مختلفة ليبدو كل عود منها وكأنه فريد من نوعه”. هل تقصدين أنك تستعملين هذه المواد كقوالب تنطلقين منها لصياغة الحلي..؟ “كلا. أنا أستعمل هذه المواد كركيزة أساسية أبني عليها قطع الزينة. أي أن هذه المواد تكون موجودة ضمن تركيبة القطعة، ومعالجة بواسطة التقنيات الحاصة التي أعتمدها في عملي”.

ولكن هل سبقك أحد إلى هذه الفكرة في لبنان أو في الخارج؟ تجيب: “في لبنان كلا، وفي الخارج بعض المصممين يستعملون المواد الغريبة لصياغة المجوهرات، ولكن لا أظن أن أحداً بعد قد استعمل عيدان الطماطم أو أوراق الصبار أو غير ذلك من المواد التي أستعملها أنا كجزء من الحلية، بل أن الأشخاص الذين يستعملون أشياء مماثلة من الممكن أن يستخدموها كقوالب لصياغة مجوهراتهم”.        

هي لا تستعمل القوالب، وفي أغلب الأوقات لا ترسم تصاميمها، بل تبدأ العمل مباشرة إنطلاقاً من المادة التي تختارها، والتي تعتبرها مصدراً لإلهامها. وغني عن القول أن قطع الزينة هذه تتمتع بتركيبات مختلفة وفريدة من نوعها، وذلك لأن هذه المواد لم يتم استخدامها من قبل في عالم صياغة المجوهرات. فعلى سبيل المثال، من ورق الزجاج وأوراق الصبّار أتت مجموعة Sandstorm، ومن الأجزاء الخضراء التي تشبه الأزهار الصغيرة وتعلو ثمار الطماطم، استطاعت ألكسندرا أن تصوغ العديد من قطع الحلي الرائعة، وأحدثها باقات الزهور المخصصة للعرائس، حيث يمكن للعروس أن تستبدل بها باقة الأزهار الطبيعية التي تحملها في يوم عرسها، وتحتفظ بها كذكرى جميلة من ذلك اليوم.

تعتقد ألكسندرا “أن المصمم يجب أن يتقن تقنيات تنفيذ المجوهرات التي يصممها”، وهي تدعو المصممين في لبنان إلى تعلّم هذه التقنيات، حتى يكونوا قادرين على الأقل على صناعة النماذج المبدئية للقطع التي يريدون صياغتها وإجراء التعديلات عليها وصولاً إلى الشكل النهائي المطلوب، وتطمح إلى تأسيس استديو كبير في المستقبل حيث يمكنها تعليم الأشخاص الموهوبين في هذا المجال هذه التقنيات، وأن تتشارك معهم خبراتها ومعرفتها. “أحاول أن أروّج لفكرة التدريب الحرفي للمصممين وهدفي أن تصبح هذه الفكرة بمثابة نقطة ارتكاز محورية في أعمالهم، لأن ذلك من شأنه أن يساعدهم على تجسيد أفكارهم والتعبير عن أنفسهم بشكل أفضل”.

من هم الأشخاص الذين يحبّون أعمالك..؟ تقول: “الأشخاص الذين يحبّون أعمالي هم الذين يسعون إلى التميّز وإلى التزيّن بقطع فريدة. الزبائن الذين يشترون المجوهرات التي تحمل توقيعي ليسوا منحصرين فقط في لبنان بل هم من مختلف أنحاء العالم، يشترون مجوهراتي من خلال الموقع الإلكتروني الخاص بأعمالي”.

من ضمن النشاطات المميزة العديدة لهذه المصممة الشابة، نذكر مشاركتها في مشروع Patient-on-a-Chip  ضمن برنامج Artist-in-Residence الذي يدعو المصممين لوضع قدراتهم الفنية في خدمة العلم لخير الإنسان، إذ يقوم هذا البرنامج على صناعة الرقائق التي تمثّل أعضاء الجسد البشري organ-ships، ويقوم دورها على فحص هذه الأعضاء واختبار تفاعلها مع الأدوية والعلاجات والغذاء. أما دور ألكسندرا في هذا المشروع فيقوم على تحويل هذه الشرائح إلى قلادات أو قطع زينة يرتديها الشخص لترافقه دائماً، وتعبّر عن العلاقة الوطيدة بين الجسم البشري، العلم والفن في آن معاً. وهي تصف هذه المشاركة قائلة: “إنه لمن الرائع أن ترى العلماء والفنانين يعملون سوياً لخير الإنسان. فالقطع التي أعمل على صياغتها ضمن هذا المشروع تشبه إلى حد ما الطلاسم التي كان الناس يرتدونها في العصور القديمة لتحميهم من الأمراض وأخطارها. والشريحة التي تتوسط قطع الزينة تحتل مكان الماسة أو الحجر الكريم الذي غالباً ما يتوسّط القلادة أو العقد، وهي بذلك تجعل قطعة المجوهرات أكثر إنسانية”. والمجموعة الأولى ضمن هذا المشروع حملت عنوان Amulets أي “الحجاب” أو “التعويذة” لتعبّر عن محتواها الذي يساعد على حماية مرتديها من الخطر. وهذه المشاركة برأي ألكسندرا تعبّر عن أن “قيمة قطعة الحلي تأتي من الفكرة الأساسية التي تحمل وليس من المعدن النبيل أو الحجر الكريم الذي يزينها”.

ودّعنا تلك الفتاة الطموحة الخلاقة على أمل لقاءات مقبلة للاطلاع على مشاريعها وإطلاقاتها المستقبلية، ونحن على يقين تام أن الأعمال المقبلة التي ستحمل توقيع Alexandra Hakim لن تكون أقل أهمية وفرادة، بل أكثر إبداعاً وريادة مما استطاعت هذه المصممة اليافعة تحقيقه في سنوات ثلاثة من العمل حتى اليوم.

 

إعداد: ليزا أبو شقرا   

مجلة عالم الساعات والمجوهرات – عدد يناير /مارس 2019  

 

كلمات مفتاحية

مقالات ذات صلة