بعد أن حصلنا على الإمتياز النادر بزيارة ورشة عمل Graff في لندن، التقينا مجموعة من نخبة الحرفيين والحرفيات الذين يبتكرون أروع قطع المجوهرات في العالم.
وظيفة روبرت من أكثر الوظائف المرهقة للأعصاب في العالم، مع أنها لا تتعلّق بتسلق ناطحات السحاب أو القفز من الطائرة!
هو من نخبة الحرفيين المتخصصين في ترصيع الأحجار الكريمة، وبشكل خاص الزمرد، الحجر الثمين المعروف بهشاشته وبجماله الساحر. إن أحجار الزمرد التي يعمل بها روبرت من الأفضل في العالم: إذ يساوي كلّ منها عشرات آلاف الدورات، كما أن كل حجر منها فريد من نوعه ولا بديل عنه.
وبينما أنا أراقبه أثناء عمله، وهو يضع زمردة بعيار 4.8 قراريط في مكانها بين مخالب من الذهب الأبيض ليصنع قطعة المجوهرات، أحسست أنني أحبس أنفاسي. إذ إن أي زلة يد أو انزلاق قد يؤدي إلى تحطّم حجر كريم بقيمة 70.000 دولار أميركي.
أما هو، من جهة أخرى، فيبدو مرتاحاً للغاية، يقول «إذا ما قلقت، فسوف أتوتر وعندها تبدأ المشاكل». يضيف «وعندما تمضي عدد السنوات التي قضيتها أنا في هذه المهنة، يتكوّن لديك نوع من الغريزة في ما يخص تصرفك مع الأحجار الكريمة. لكن الأمر الأساسي والأهم هو عدم التسرّع، حتى ولو اقترب موعد التسليم».
أنا موجودة في ورشة العمل داخل مقر غراف، وهذه ميزة نادرة، لا يحظى بها إلا عدد قليل من الزوار. وبطبيعة الحال، إن الحراسة مشددة والأمن مكثف، لكن عندما تتخطى آخر مجموعة من الأبواب المحروسة، تشعر أنك في عالم آخر- عالم توقف فيه الزمن، حيث يمارس الرجال والنساء المهارات التي لم تتغير منذ قرون، ويستخدمون أدوات شبيهة تماماً بتلك التي استخدمها أسلافهم منذ القدم.
ولكن هناك غرفة واحدة مختلفة عن الغرف الباقية في تلك المتاهة: هنا توجد شاشات كمبيوتر، وماسحات ضوئية، وطابعات ثلاثية الأبعاد. عندما رأى نظرة الدهشة على وجهي شرح لي ريمون غراف – رئيس التصنيع وشقيق مؤسس الشركة، لورانس غراف – موضحاً: «الأدوات الحديثة لها مكانها – أنها تساعد على تبسيط بعض العمليات، ولا سيما بين مراحل التصميم والتنفيذ. لكن التكنولوجيا لم ولن تحل مكان عيون وأيدي الحرفيين التقليدي في أي وقت كان«.
ولضمان استمرارية هذه الحرف، يحرص غراف على تمرين المتدربين من خلال نظام التدريب التقليدي، الذي يستمر من سنتين إلى خمس سنوات، لإتقان هذه «الفن» إذا جاز التعبير. ولكي يصبح الشخص «محترفاً» في هذه المهنة، قد يستغرقه الأمر نحو عشرين سنة إضافية.
في ورشة العمل الخاصة بالتركيب، أنهى أوليفر ثلاث سنوات من تدريبه حتى الآن، وهو من الجيل الثاني من الحرفيين في عائلته، يسير على خطى والده، إدي، المسؤول عن العمال في ورشة العمل هذه. أما في غرفة التلميع (حيث تُصقل الأطر الذهبية والبلاتينية لساعات لا تحصى من العمل كي يصبح لمعانها كبريق المرآة قبل أن يتم إعطاؤها إلى مرصّعي الأحجار)، فيتدرّب جورج على يد أربعة حرفيين خبراء في التلميع – تفوق خبرتهم مجموعين الـ 100 عام. يقول مرشد جورج «اننا نوجّه جميع المتدربين لدينا ونرشدهم، ولكن من المهم أيضاً أن يعملوا على تطوير أسلوبهم الخاص وحسّهم وذوقهم».
المعايير مرهقة، يقول ريمون غراف «نحن لا نعلّم المتدربين لدينا ليصبحوا مرصعين لأحجار الماس، بل نعلّمهم أن يكونوا مرصعي ماس متميّزين ورائعين.» لهذا السبب، يحتاج حتى الحرفيون ذوي الخبرة الذين يأتون إلى غراف من ورش عمل أخرى، إلى إعادة تعلّم العديد من التقنيات. على كل واحد منهم الخضوع لإعادة تدريب لمدة ستة أشهر على الأقل عند انضمامهم إلى الشركة. يضيف «يقتضي الأمر بتعلم «طريقة غراف« أي أسلوبنا نحن – ولا يقتصر فقط على مستوى الجودة لكنه أيضاً نمط ونهج».
هنا في حلقات العمل، هناك نقطتيّ انطلاق لكل قطعة من المجوهرات: الأحجار والتصميم. توجد غرفة منفصلة مخصصة للتصنيف الدقيق ولفرز الأحجار – والأحجار المتميزة حقاً هي التي قد تُعتَمد كنقطة انطلاق لتصميم ما. وفي غالب الأحيان، فإن العكس هو الصحيح: إذ يتم العمل على التصميم – بدءا من الرسومات الأولى – ليتم بعد ذلك اختيار الأحجار التي تناسبه. وتقضي مهمّة أحد الفنانين العاملين معنا بتحويل مسوّدة الرسم إلى لوحة من طلاء الغواش على ورقة رمادية غير لامعة ليبدو واقعياً (وهذه تقنية مُعتمدة منذ قرون ولم يسبق أن احتلت مكانها أي وسيلة أخرى لاختيارالأحجار الأنسب للتصميم).
يتمّ لصق الأحجار الحقيقية بواسطة غراء مؤقت على اللوحة، ثم يتمّ تمريرها إلى ورشة التركيب ، حيث يتم قطع المعدن الثمين ودقّه ومعالجته وتمطيطه لخلق الإطار لوضع الأحجار.
يفسر ريمون غراف «أحياناً يكون من غير الممكن تنفيذ ما تمّ رسمه – وذلك لأسباب تقنية أو جمالية- ولكن وجود جميع أفراد طاقمنا المتنوّع يمكّننا من تعديل قطعة معينة عندما نضطر لذلك. كما يعني ذلك أيضاً أن المصممين والحرفيين يميلون إلى تحفيز بعضهم البعض على القيام بأشياء قد يعتقدون أنها غير ممكنة». يتابع «الثمن لا يكون أبداً سبباً لتعديل قطعة. فبالنسبة إلينا، لن تهمنا التكلفة قط بقدر ما يهمنا نوعية التصميم والأحجار والحرفية. فهذا هو نهجنا».