قبل اختراع المرآة، وانتشار فنون الرسم والنحت، والعمليات التجميلية والصور الفوتوغرافية والـ selfie، ومنذ بدأ الإنسان يرى انعكاس صورته على وجه المياه الراكدة، أي قبل آلاف السنين، كان الجمال والتجمّل في صدارة أولوياته، وأولويات السيدات بشكل خاص.
الذهب كان في طليعة مواد و»كنوز الجمال»، فاستعملته المجتمعات القديمة كلها أي حضارة ما بين النهرين، المصريون، اليونانيون، الرومان وغيرهم في صناعة الحلي، علماً أن اكتشافه قد تم في القرن السادس قبل الميلاد، ليتبعه النحاس، قبل الميلاد بـ4200 عام، والفضة بعد ذلك بـ200 سنة، والبلاتين في القرن الثاني قبل الميلاد. ذلك إضافة إلى الإكتشافات المستمرة للأحجار الكريمة التي أبهرت عيون السيدات، وجعلت المغامرين يسعون وراءها في أقاصي الأرض، على قمم الجبال وفي قعر المحيطات، وكل ذلك لإرضاء السيدات وإشباع رغبتهن بالظهور بأبهى طلة.
ولكن من قال أن الذهب والبلاتين والمعادن الثمينة الآتية منذ قرون هي الوحيدة القادرة على تجميل السيدات..؟ والماس والأحجار الكريمة تتفرد بتعزيز البريق الأنثوي..؟ فالصائغون اليوم بدؤوا يتجهون إلى الإستعانة بمعادن ومواد وأحجار «حديثة» الإستعمال في القطاع إذا جاز التعبير، فبتنا نرى عقوداً وأساور وخواتم وغير ذلك من قطع الحلي، وقد دخلت إليها أحجار الكريستال الصخري، أو السيراميك أو الرخام أو حتى صُنعت على قواعد من التيتانيوم، وهذا ما سنلقي عليه الضوء في السطور التالية.
التيتانيوم جبّار كالعمالقة
إن التيتانيوم الذي اتخذ تسميه من عمالقة التيتان التاريخيين من الحضارة الإغريقية القديمة الذين لا يُقهرون، هو مثلهم، من المواد التي تتميّز بمستوى عالٍ من المتانة والمناعة ضد الأكسدة والخدش وكل أنواع الأضرار التي يمكن أن تصيب قطع المجوهرات عند الإستعمال المتواصل أو المتكرر، وذلك جعله من أهم المواد المعاصرة التي دخلت إلى عالم صياغة المجوهرات. هذا المعدن يتميّز بكونه %45 أخف وزناً من الفولاذ، ولكنه يضاهيه من ناحية القوة والصلابة، ويوازي البلاتين من جهة مقاومة الخدوش. ونظراً إلى صعوبة قطع وتشكيل وصقل التيتانيوم، فإن التصاميم على قدر ما تكون معقّدة الخطوط، تكون غير سهلة في التنفيذ، لكن وبالرغم من ذلك، نحن نرى اليوم قطعاً موقّعة بأسماء العديد من أهم الدور، مصنوعة من التيتانيوم، مثل خواتم Fleurs d’Opales من مجموعة Capsule لدار Chopard، المصوغة على شكل أزهار وقد توسطتها أحجار ضخمة من الأوبال الأسود تتراوح أوزانها بين 20 و24.3 قراريط، وهي مشعة بتدرجات ألوان قوس القزح، وتم ترصيعها أيضاً بأحجار كريمة ملوّنة كالياقوت، السافير، التزافوريت، العقيق والجمشت الأرجواني.
بريق الكريستال
وأحجار الكريستال الصخري بدورها كانت تشكل خياراً مثالياً للتزيّن بالنسبة إلى آلهة الأساطير الذين كانوا يرتدونها على صدورهم، كما ارتداها أيضاً عدد كبير من كهنة الأديان القديمة وقادة المجتمعات منذ آلاف السنين، كطلاسم جالبة للحكمة، تقدّم لهم المشورة وتعينهم على اتخاذ القرارات المهمة. ذلك إضافة إلى إيمان شعوب الحضارات القديمة بقدرة هذه الأحجار على شفاء المرضى، والاستعانة بها من قبل بعضهم لتوليد النور من خلال انعكاسات الإشعاعات الضوئية عليها، أو لنحت تماثيل لآلهتهم. وهذه الأحجار ممكن أن تتوفر بأحجام كبيرة، أو على شكل الكتل العنقودية cluster الذي تتخذه خلال مرحلة نموّها داخل الصخور، لذلك من الممكن استعمالها لأغراض تزيينية داخل المنازل حيث توضع كأحجار مصقولة أو كمنحوتات فنية، أو بحالتها الخام من دون أي تعديل. أما من ناحية استعمالها في صياغة المجوهرات، فهي تزيّن بأنواعها وألوانها اللامحدودة الكثير من إصدارات الدور، والأمثال عديدة في مجموعة Sous Le Signe du Lion لدار chanel حيث تزيّن أحجار الكريستال الصخري خواتم وعقوداً وأساور مستوحاة من الأسد، أحد أقرب الرموز إلى قلب مؤسستها غابرييل شانيل.
السيراميك قاعدة للنجوم الماسية
ودار Chanel أيضاً استعانت خلال العام 2015 بإحدى المواد الحديثة الأخرى لصياغة مجموعة Cosmique de Chanel، حيث وللمرة الأولى في تاريخها عملت على إدخال مادة السيراميك إلى مجوهراتها على قواعد من الذهب الأبيض، وقد رصعتها بالماس الذي توهّج بالبريق، وزادته الخلفية البيضاء أو السوداء من السيراميك إشعاعاً وعكساً للأنوار. هي النجوم والنيازك التي لطالما أنارت قسماً كبيراً من قطع الحلي التي تحمل توقيع الدار، ودخلت مشاغلها منذ العام 1932، تتمركز من جديد على خواتم وقلادات هذه المجموعة لتذكر بقول كوكو شانيل لأحد الصحافيين عام 1932، بأنها تريد أن تغطي السيدات بالنجوم، نجوم ماسية.
ومادة السيراميك غير المألوفة في عالم الصياغة، يبدو أنها بدأت تحتل مكانة مهمة في مشاغل المجوهرات، وذلك لخصائصها المميزة، حيث نعني المتانة والقدرة على مقاومة الخدوش وخفة الوزن في الوقت عينه. وبعيداً عن المجوهرات، جعلتها هذه الخصائص أيضاً على قائمة المواد المستعملة في الكثير من الصناعات والمجالات كتجميل الأسنان، صناعة المراكب الفضائية، قطع الأثاث التزيينية، والستر المضادة للرصاص وغيرها. وبالعودة إلى الحلي، نجد أيضاً أن دار Damiani تحتفل بشعار الدار، فتكتب الحرف الأول من اسمها بالذهب الوردي والأبيض مع الماس على قواعد من السيراميك الأبيض، الأسود أو البيج.
ونصل إلى الرخام، هذه المادة الصخرية الصلبة التي تتكوّن نتيجة تحولات كيميائية لبعض الصخور الكربونية المتراكمة، ما ينتج صخوراً ذات تركيبة مميزة، فيها خطوط متداخلة من كربونات الكريستال، فتشبه لوحة من الفسيفساء الدقيقة ولكنها من صنع الطبيعة. وتتنوّع ألوان الرخام بتنوّع أنواع الصخور التي كوِّنت منها، والشوائب التي تدخل إلى تركيبات تلك الصخور أي الطين أو الوحل أو الرمل، أوكسيد الحديد أو الصخور الصوّانية، وتكتسب ألوانها تلك نتيجة الضغط والحرارة العالية التي تتعرض لها على مدى سنوات من التحول. تختلف استعمالات الرخام بتنوّع أنواعه وألوانه وتركيباته، فالأبيض منه مثلاً لطالما استعمل لنحت التماثيل الرومانية واليونانية القديمة، بينما تتنوّع أنواع وألوان البلاط المكوّنة من الرخام، ويُستعمل في بناء القصور الفخمة والمعابد والمساجد حول العالم. ولمجموعة Bleu de Jodhpur قصة خاصة جداً، تتمحور حول علاقة الحب التي تربط Boucheron ببلاد الهند، حيث اجتازت الدار الحدود المألوفة في الإبتكار لتستعين بمواد غير تقليدية في صياغة هذه المجوهرات، كالرخام والرمل.
من أهم قطع المجموعة برز عقد Jodhpur المزدوج الوجوه، حيث صُنع المجسم الرئيسي الذي يتوسطه من رخام Makrana، وهو الرخام الأثمن في العالم وقد استُعمل لبناء قصر Taj Mahal، وقد توسطته ماسة زنتها 6.01 قيراطاً، وتم ترصيع وجهيه بالماس والسافير الأزرق. كما وبرز أيضاً سوار Perroquet المزيّن بالرخام والمرصع بالماس والسافير، ومشبك Aigle de Jodhpur المصوغ بالذهب الأبيض، والمزين بالرخام والماس.
صحيح أن الماس هو الصديق الأقرب إلى قلوب السيدات، ولكن ها نحن نعرّفكنّ على أصدقاء جدد، ونقرّب المسافات بينهم وبين قلوبكنّ… فاستمتعن سيداتي بما يبتكره لكن الصائغون، واجعلن طلتكن مميزة بمجوهرات جريئة المضمون، وعصرية التصميم، وتامة البريق والأناقة…