بالرغم من حجمها الصغير، بحيث يتراوح قطر معظمها بين السنتيميترين والأربعة سنتيميترات ونصف كأقصى حد، لطالما شكلت وجوه قارئات الوقت مساحات يستخدمها بعض الفنانين المحترفين للتعبير عن أفكارهم وإلهاماتهم. فلنطّلع على فنون الطلاء اليابانية Urushi وMakie-e ونكتشف سوياً أسرارها ونمتّع أنظارنا في الجزء الثاني من هذا المقال ببعض أبرز آلات الوقت المزينة بواسطتها.
تتخذ الفنون أبعاداً مختلفة في حياة الإنسان، فهي تعبّر عن شغفه بالجمال وإدراكه للمواهب التي وُهِبت له، كما وتترجم قدرته على الخلق والإبداع. وكلمة “فن” هي دلالة على المهارات والقدرات الخاصة المستخدمة لإنتاج أشياء مادية كالرسم والنحت على سبيل المثال، أو مرتبطة بالحواس وبحركة الإنسان كالموسيقى والرقص وغيرها، بحيث أن كل هذه “الإنتاجات” الفنية تحمل في طياتها وتفاصيلها قيمة جمالية يتم تقييمها بطريقة نسبوية تختلف باختلاف الأذواق.
والفنون الحرفية قد رافقت مهنة صناعة الساعات منذ البدايات حيث تفنن الساعاتيون منذ قرون مضت في زخرفة علب ساعات الجيب وموانئها وآلياتها، أو جعل الساعات الأنثوية أشبه بقطع من الحلي كالعقود والخواتم وغيرها. وهم منذ ذلك الوقت يتنافسون في النقش والنحت على المعادن النبيلة المستعملة لصناعة علب قارئات الوقت، وترصيعها بالأحجار الكريمة، وطلاء الموانئ بالمينا بتقنيات مختلفة، وغيرها من الفنون الدقيقة الرائعة التي اختفى بعضها مع الوقت بينما يعود بعضها الآخر للظهور أحياناً في مجموعات الدور الراقية، فتدهشنا هذه الأخيرة بما يظهره فنانوها من قدرة على تطبيق أدق معايير تلك الحرف وأصعبها، كما وبميلهم إلى الابتكار لتطوير تقنياتها وعصرنتها لتناسب أذواق الجمهور المحب للفنون بأكمله.
كيف يتم التزيين على الطريقة اليابانية..؟
هناك العديد من الفنون الحرفية اليابانية التي استطاعت الصمود في وجه الزمن وحافظت على نفسها مع مرور المئات من السنين، فما زلنا نستمتع حتى اليوم بكل جديد في مجال تصميم الزي التقليدي الياباني أي “الكيمونو” فنتأمل تفاصيله التزيينية التي يتم تنفيذها يدوياً، ونراقب الأعمال الفنية الورقية المنفذة بتقنية “أوريغامي” التي يجيدها اليابانيون الذي يعرفون كيف يحافظون على تقاليدهم وتراثهم من جهة، وكيف يجمعون بين هذا التراث والخطوط العصرية من جهة أخرى، وهذه من الصفات الرائعة الكثيرة التي يتميّز بها اليابانيون.
من أبرز الفنون اليابانية نذكر Urushi وMakie-e وهما من أعرق الفنون المتوارثة في منطقة آسيا عامة وفي اليابان خاصة، ويُستخدمان في الأصل لتزيين الأواني المخصصة للطبخ ولتقديم الطعام. تقوم تقنية Urushi على الطلاء بطبقات متعددة بمادة تُستخرج من الشجرة التي تحمل الإسم نفسه والموجودة في اليابان وهي معروفة أيضاً بـ “شجرة الطلاء” lacquer tree. ويقال أن تسمية Urushi تأتي من كلمتين يابانييتين الأولى هي uruwashi وتعني “جميل” والثانية هي uruosu وتعني “فعل الترطيب”
وهذه المادة هي عبارة عن سائل يُجمع من خشب تلك الأشجار، ويستوجب الكثير من الحذر للتعامل معه كونه يحتوي على زيت urushiol السام والمثير للحساسية الموجود أيضاً في نبتة “اللبلاب السام” poison ivy. بعد استخراج هذه المادة السائلة عن طريق إحداث شقوق في جذع الشجرة، يتم تمرير هذا السائل عدة مرات عب طبقات من الورق الخاص بهذه المهمة والذي يعمل على تصفيته، فيتم الحصول على سائل بلون العنبر، ويمكن أن يتدرّج هذا اللون من الفاتح جداً إلى الداكن. وبقدر ما يكون محتوى السائل من الزيت أكبر، تكون نوعيته أفضل، ولكن يكون التعامل معه أكثر خطورة لأنه أكثر احتواءً على السم. تتم معالجة السائل بالحرارة ليتحوّل إلى مادة لزجة تلتصق على السطح الذي يطلى بها، ويمكن من خلال إضافة المواد الكيميائية إليه مثل الحديد أو أكسيد الحديد أو غيره للحصول على الألوان المتنوّعة لتنفيذ اللوحات الفنية المتكاملة.
كما وترافق هذه اللوحات تقنية رائعة أخرى هي Makie-e التي تعني “الصورة البراقة” وهي تقوم على نثر غبار الذهب أو الفضة أو البلاتين أو عرق اللؤلؤ على الطبقة العليا للرسم الملوّن بألوان Urushi قبل أن تجف الألوان ويتم ذلك بواسطة ريشة رفيعة لتحديد خطوط الرسم، فتبدو اللوحة مرسومة بخطوط الذهب، لامعة ورائعة الجمال. والجدير بالذكر أن الفنانين الذين يقومون بهذه الأعمال لا يتم تصنيفهم كمحترفين إلا بعد تدريبهم لمدة لا تقل عن 12 عاماً من قبل أرباب المهنة، وهم اليوم نادرون.
اعداد: ليزا أبو شقرا