نادين قانصو تصوغ كلماتها الذهبية “بالعربي”

عندما تسمع باسم مصممة المجوهرات اللبنانية نادين قانصو، فإن أول ما يخطر ببالك هي الأحرف العربية المتشابكة والتي تعبّر عن رسائل معينة ملؤها الحب والأمل والحنين إلى الإرث العربي العريق، أو التي تكتب أسماء الأشخاص الذين تحبّهم بحروف من ذهب وماس وأحجار كريمة.

فهذه الفنانة تتكلّم مع جمهورها “بالعربي”، وتعبّر من خلال أعمالها عن تجذّرها وارتباطها الوثيق بأصولها العربية، فتضع توقيعها على قطع تتميّز بروحية خاصة جداً، تجمع الأصالة إلى الخطوط الجمالية التي تتماشى مع كل العصور وتتلاقى مع أذواق الكثيرين من محبّي الخط العربي، والذي يستقون من جمال وشاعرية الثقافة العربية. وشغفها هذا بالهوية العربية واللبنانية يظهر أيضاً من خلال ممارستها للتصوير الفوتوغرافي. ففي خبايا صورها وتفاصيلها الصغيرة تضع نادين حكايا لبنانها كما تراه بعيونها، وتعبّر عن تعلقها الشديد به.

في أعمالها ترى الكثير من النوستالجيا، فهي تؤمن أن العلاقة الوطيدة بالماضي هي أساسية لبناء المستقبل والمضي قدماً نحوه، فترى في أعمالها تزاوجاً بين الحنين إلى الماضي والرؤيا المستقبلية للخطوط الجمالية، فتبدو مجوهراتها أصيلة متعلقة بالتقاليد، ولكنها تعبّر عن هويتها هذه من خلال ملامح عصرية، مما يجعلها جميلة في كل زمان ومكان.

عن بداياتها وأعمالها ومشاريعها المستقبلية، وعن علاقتها الوطيدة بوطنها الأم وشغفها بالفن والجمال، حدّثتنا نادين قانصو.

 

هل يمكننا القول أن شغفك بمجال التصميم استطاع أن يغيّر مشاريعك الحياتية؟ لأننا نعرف أنك في البداية بدأت بدراسة فنون الإتثال، وتصميم الإغلانات، وبعد ذلك عملت في الصحافة لتنتقلي إلى العمل في مجالات عديدة متصلة بالتصميم. فما الذي وجّه خطواتك إلى عالم التصوير الفوتوغرافي وتصميم المجوهرات؟

إن شغفي بالتصميم، وبهويتي وثقافتي قد غيّر مساري، فقادني إلى إنجاز أعمال فنية تتناول مواضيع متعلقة بقضايا الهوية العربية، وتجسيد هذه القضايا عبر التصوير الفوتوغرافي، ودفعني لإيجاد الأسلوب الذي يسمح لي بالتعبير عنها من خلال تصميم المجوهرات أيضاً. وكل ذلك حدث بعد التحوّل الجذري الذي أصاب العالم من جراء أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. فكان التصعيد في مواقفي لمؤازرة القومية العربية بمثابة رد فعل طبيعي على الأجواء العالمية، حيث شعرت بغياب العدالة وسوء الفهم تجاه الهوية العربية.

 

من أين أتت فكرة Bil Arabi؟ وهل يمكننا القول أن قطع المجوهرات هذه تعبّر عن هويتك، إيديولوجيتك، وتعلقك بجذورك وبوطنك لبنان؟

نعم بالطبع إن هذه المجوهرات تعبّر عن هويتي، عن تعلقي بأصولي العربية. لقد انطلقت في هذا المسار في أعمالي من التصوير الفوتوغرافي، وبالتحديد من خلال معرض “Meen Ana” أو “مين أنا” الذي شاركت فيه في دبي، حيث عرضت صوراً فوتوغرافية لأشخاص يمثلون العالم العربي على حقيقته، وأردت من خلال ذلك أن أظهر الجانب الآخر والحقيقي للهوية والثقافة العربية، بعيداً عما كان سائداً آنذاك.

الخطوة التالية في هذا المسار كانت إطلاق المجوهرات التي تنطلق من الأحرف العربية، وإذا نظرت عن قرب إلى هذه المجوهرات تجدينها تتناول اللغة والثقافة، فنون الخط والطباعة بالعربية، ورسالتها هي كالتالي: “إرتدِ حروفك بفخر وعبّر عن ثقافتك”. كل هذا أدى إلى ولادة “بالعربي”.

 

على الرغم من كونك تعيشين في دبي منذ ما يقارب العشرين عاماً، إلا أن حبك لبيروت يظهر في الكثير من أعمالك في مجال التصوير الفوتوغرافي. كيف تصفين علاقة الحب بينك وبين مدينتك الأم عبر المسافات البعيدة؟

هي بالتأكيد علاقة حب قاطعة للمسافات! والحنين القوي هو ما يعيدني دائماً إليها. فالإنسان يستطيع أن يحب وطنه بالرغم من بعد المسافة، وبالرغم من قلة وجود الروابط المادية معه، أو من الأحداث التي لا يمكنه القبول بها أو التسامح فيها. الأمل هو عامل أساسي يحافظ على ارتباطنا بالوطن، آملين أننا يوماً ما سوف نستطيع العودة إليه. أعمالي الفوتوغرافية تحمل هذه النوستالجيا، فهي تعبّر عن التناقضات أو الإنفصام الذي يعاني منه البلد، وآمل من خلالها أن أستطيع الإضاءة على الأمور التي يمكننا تصحيحها في البلد.

واللغة العربية بالنسبة لي هي خير تجسيد للثقافة والهوية، لذلك فهي أداة التواصل التي أستعين بها للتعبير عن نفسي.

 

نحن نعلم أنك عادة تحبّين المزج والتنسيق في أعمالك وتسعين لتكوني مختلفة عن غيرك. فمن أين تأتي إلهاماتك؟

أنا بالتأكيد أحب المزج والتنسيق في أعمالي! جمال الخطوط العربية وبساطتها هي مصدر الإلهام الأساسي. فأنا أذهب أبعد من معاني الكلمات والأحرف التي أستعملها، أستعين بالخطوط التي تتألف منها الحروف لخلق أبعاد جديدة للجمال من خلال تصاميمي.

 

هل أنت متأثرة بأي حقبة تاريخية أو مدرسة فنية أو حركة ثقافية معينة؟

في الحقيقة كلا. أنا أعتقد أن كل حقبة لها جمالها وخصوصيتها وتطوّرها في مجال التصميم واللمسات الجمالية، ويجب أن يتم تقديرها من هذا المنطلق.

 

هل هناك موضة في عالم صياغة المجوهرات، إن من ناحية الخطوط التصميمية أو المعادن والأحجار والألوان الستعملة؟ أو يمكننا القول أن قطع المجوهرات تحافظ على جمالها وشعبيتها إلى الأبد؟

هناك توجّهات تسود عالم الصياغة من وقت لآخر، مثل الإتجاه إلى الجمع بين القطع الصغيرة الذي يبرز مؤخراً. ولكن القطع الكبيرة والفريدة تحافظ على قيمتها إلى الأبد، حتى وإن كانت لا تتناسب مع أذواق وأساليب البعض ولا يجدونها جميلة. والأحجار الكريمة هي دائماً من ضمن التوجّهات العامة في المجال، لذلك فإن شراء الأحجار هو دائماً أمر مجدي، لأن تغيير التصميم وطريقة الترصيع ممكن في أي وقت.

 

ما الذي يميّز قطعك في السوق، ومن هم جمهورك؟ هل كلهم من الجنسيات العربية، أو هناك أجانب يرغبون بشراء مجوهرات Bil Arabi؟

إلى جانب كوني المصممة الأولى التي بدأت بإطلاق ماركة مجوهرات تنطلق من الأحرف العربية، أجد أيضاً أن الجرأة هي من النواحي التي تميّز قطعي بموازاة التطوّر المستمر في عالم التصميم. مجوهرات “بالعربي” يهواها بشكل رئيسي الزبائن العرب، لأنها ترتبط بهم من ناحية اللغة، ولكنها أيضاً تثير إعجاب الكثيرين من الأشخاص غير المتكلمين بالعربية، الوافدين للعمل والإقامة في الدول العربية، حيث ينخرطون في ثقافة المنطقة بشكل عام.  

 

لقد بدأنا برؤية بعض أنواع المعادن مثل التيتانيوم تدخل إلى عالم المجوهرات بقوة. فهل تعتقدين أن مبدأ المعادن النبيلة هو إلى تغيّر، أو أن الذهب والبلاتين لن يتخليا عن موقعيهما لأي نوع آخر من المعادن؟

إن التيتانيوم ليس جديداً في عالم صياغة المجوهرات، فقد كان يُستعمل كبديل للذهب من قبل بعض الدور. المعادن النبيلة هي “نبيلة”، وسوف تبقى دائماً المعادن الأساسية بالنسبة إلى دور المجوهرات العالمية. فالقيمة التي تتمتع بها هذه المعادن في السوق سوف تبقى على حالها دائماً. إلى جانب ذلك، فإن الذهب يلعب دوراً كبيراً في الأزياء التقليدية لبعض الشعوب والثقافات، وهذا لن يتغيّر.

 

ما الجديد على منضدة عملك؟ وماذا يمكنك إخبارنا عن مشاريعك المستقبلية؟

دائماً المزيد من التصاميم المثيرة آتية على الطريق، كما أنني أعمل على إنجاز مشاريع جديدة سوف تظهر للعلن بين شهريّ سبتمبر وأكتوبر. كما قد حان الوقت للإعلان عن أعمال جديدة في مجال التصوير الفوتوغرافي.

 

ما هي نصيحتك للمصممين اليافعين، ورسالتك لهم؟

إحرصوا على إيجاد ميولكم الحقيقية وتأكدوا أنها ما تؤمنون به حقاً، فهي هي الطريق التي ستقودكم إلى النجاح وستُبقي على شغفكم بالعمل على المدى الطويل. جِدوا لأنفسكم هوية خاصة تميّزكم عن الآخرين. ورسالتي لهم هي أن يحبّوا ما يقومون به، لأن ذلك سيظهر جلياً في أعمالهم.

إعداد: ليزا أبو شقرا

مجلة عالم الساعات والمجوهرات العدد 125

 

كلمات مفتاحية

مقالات ذات صلة