من بين 38 ميناءاً خلاباً ضمن مجموعة ساعات Secrets & Lights لدار Piaget، يبرز تصميم رائع الجمال، مصنوع من مادة غير اعتياديّة-الرّيش. لإلقاء الضوء على هذه الساعة المميزة، التقينا المصمّمة الموهوبة التي إبتكرت هذا التصميم الفريد.هل من وظيفة أكثر سحراً ورومنسيّة من الـ Plumassière (أي الحرفية التي تعمل بالرّيش)؟ إنّ وقع هذه الكلمة بحدّ ذاته جميل جداً. فهي كلمة فرنسيّة الأصل وقديمة الطّراز (بالمعنى الإيجابيّ للكلمة)، ومجرّد لفظها يعيدك بالذاكرة إلى الماضي البعيد ويستحضر أناقة القرن الثامن عشر ورقيّه.
«إيميلي موتارد-مارتان» هي Plumassière ولكنها بعيدة كل البعد عن الطراز القديم. شابة عصرية مرحة، متكلمة، بليغة وموهوبة إلى حد كبير. فهي من ابتكرت وبمفردها ميناء ساعة Altiplano (Ref.G0A40595)، واحدة من أصل 38 قطعة فريدة أتت تحت راية مجموعة بياجيه Secrets & Lights.
ما الغاية من وضع الرّيش في المساحة الضئيلة لميناء الساعة؟ إن الجواب البديهي هو «لأن ذلك ممكن»، وهذا بحدّ ذاته كافٍ، كما هو الحال مع كل عمل فني.
بالفعل، إنّ واحداً من أبرز الأمور في التطورات الحديثة في فن صناعة الساعات الفاخرة هو اهتمام الصانعين بعلب الساعات وموانئها، في محاولة لجعل ملامحها الجميلة تضاهي فعالية آلياتها الميكانيكية.
هذا ليس بالأمر الجديد. لكنّه إعادة إحياء لما سبق حقبة العصر الصناعي في عالم صناعة آلات الوقت، عندما كانت الساعات باهظة الثمن ونادرة للغاية، فكان الساعاتيون يركزون بالكامل على شكلها الخارجي وطرق تزيينها. نظراً إلى مقاساتها الصغيرة، فإن العمل على تزيين الموانئ الفنّية هو بمثابة تمرين على فنون التصغير- وهذا ليس بالأمر الجديد أيضاً: فمنذ أن اكتشف الإنسان قدرته على الرسم وأتقن أيضاً فنون الفسيفساء والحفر على المعادن الثمينة، كان هناك فنانون ينفذون التقنيات الخاصة بهذه الفنون كلها على نطاق مصغّر.
لكن استخدام الريش في داخل ميناء الساعة، هو أمر مستحدث، فساعة بياجيه التي كُشف عنها في معرض Watches & Wonders لم تكن القطعة الأولى في هذا السياق، فقد أطلقت Harry Winston ساعات بموانئ مزينة بالريش عام 2012، وفي السنة نفسها أصدرت دار Dior أيضاً ساعات مزينة بالريش على موانئها حيث كانت معلقة بالدوار الظاهر على وجه الساعة، كما قدّمت Corum بدورها ساعات مزينة بالريش. هذا، وقدّمت Van Cleef & Arpels في المعرض نفسه أيضاً ثلاثة موديلات من مجموعة Lady Arpels مع موانئ تضم عصافير مصنوعة من الرّيش- صمّمتها للصّدفة، «نيللي سونييه» معلّمة «إيميلي موتارد-مارتان» السابقة ومرشدتها.
بعيداً عن هذه الأمثلة النادرة، وعن محترفات خياطة الأزياء الراقية في باريس، والأزياء الخاصة بعروض الأوبرا العالميّة، لا وجود مكثّف للأعمال الزخرفية المزينة بالريش اليوم. ومع ذلك، فإنّ إيميلي تتكلّم عن حرفتها هذه، كما لو كانت من أكثر الأمور الطبيعية والبديهية التي يمكن القيام بها، ولو لم تكن من الأشياء التي سبق ووردت إلى مخيلتها وخططها المستقبلية خلال نشأتها. فكيف إذاً وقع خيارها على هذه المهنة التي تقتصرعلى فئة معيّنة من الفنانين، والتي عفا عليها الزّمن؟
مع أنها قد ترعرعت في كنف عائلة شغوفة بالفن، إتخذت إيميلي لنفسها منحىً مختلفاً، فدرست علم الأعراق البشريّة وعلم النفس، ولكن أطروحتها احتوت بعض التلميحات لمستقبلها الفني إذ تناولت موضوع «الطبع الخاص بالحرفيين الفنيين وشخصياتهم»، والحافز لاختيارها هذا الموضوع كان معرض في باريس، ضمّ أعمال نيللي سونييه والذي زارته «إيميلي» بالصدفة، وقد أُسِرت بهذه الأعمال على الفور، وعن ذلك تقول: «إن تلك المواد هي التي اختارتني وليس العكس». وتضيف: «لقد عشقت المنسوجات والأقمشة منذ الأزل، ورأيت إمكانيّة إستخدام الريش كملمس ولون عوض اعتباره بمثابة «شيء» عادي».
ما يميّز عمل إيميلي عن سواها هو أوّلاً، إن اختيارها لنوع الريش هو غير اعتيادي: «لستُ منجذبة إلى الريش الخاص والغريب الذي يبيعه التجار إلى الحرفيين الآخرين، لكنني أميل إلى استخدام الريش العادي، ريش الحمام أو الإوزّ. وقد تبدو هذه الريشات تافهة للبعض، لكنّها بالنسبة إليّ رائعة الجمال. كما يمكن ان أصبغها بشكل ملائم من دون أن تفقد ملمسها الناعم».
أمّا الفرق الثاني، فهو أن إيميلي تعمل إجمالاً بالأبيض والأسود، عوض إستخدام الألوان. وللوهلة الأولى، قد لا تدرك أنك تنظر إلى الريش. تشرح قائلة: «بالنسبة إليّ، إنّ الضوء يعمل كأي مادة أولية أخرى، خاصة عندما يكون العمل أحادي اللون، بالأبيض أو الأسود، إذ يمكن أن يجعل الضوء الريشة تبدو وكأنها مطلية، كما أنه يعزز الإختلاف في الملمس والتركيبة،
ما يعطي العمل مظهراً ثلاثي الأبعاد.»
عندما تتعاون دار بياجيه مع فنانين مستقلّين، فغالباً ما تزورهم في محترفاتهم الخاصّة، عوض الطّلب منهم المجيء إلى الدّار، كون ذلك من الممكن أن يكبح حسّهم الفنّيّ وقدرتهم على الابتكار. إن أفكار التصاميم غالباً ما تأتي من الفنانين أنفسهم، الذين يعملون بعدها على إعطاء الفكرة نفحة بياجيه الخاصة.
وكما هو متوقّع من قبلها، اختارت إيميلي اللون الأسود لميناء ساعة بياجيه، وألصقت أوراق فضية اللون على الأطراف لتحديده، وخلق شعور بالحركة المستمرة عليه. «أردتً أن أبتكر تأثيراً حلزونياً، كما لو كان دوّامة، لكن لم يتّضح لي منذ البداية كيفيّة وضع الرّيش، فتنوّع انعكاسات الضوء على الزوايا المختلفة للريشة بدا لي أساسياً. كنت أريد للميناء أن يبدو ثلاثي الأبعاد، وبالتالي، لا يجب أن يكون الريش مسطحاً أو معلقاً بأكمله بالخلفية، فكان الحل الوحيد يقضي بتعليق الريشات من الأطراف فقط».
ولرفع مستوى التحدّي، قررت بياجيه صناعة هذا الميناء لساعة Altiplano التي تعمل بواسطة الحركة الشديدة الرقة كاليبر 430P، ما يعني أنّه توجّب على إيميلي أن تأخذ بعين الإعتبار أن الساعة التي تزيّنها بالريش لن تتعدى سماكة مينائها 2ملم، بغية ان يتّسع داخل العلبة الفائقة الرقة. تشير «قبل أن أتعرّف على بياجيه، كنت قد أمضيت سنتين أختبر وأطوّر الأفكار الكامنة خلف إنجاح هذه التقنيّة. وحالما قرّرنا العمل سويّة، ووافقوا على تصميمي، تطلّبني الأمر عدّة اشهر حتّى تمكّنت من إنجار المهمّة بنجاح وابتكرت الميناء الأول». وتضيف مبتسمة «أما الآن، وبما أننا أصبحنا نعرف ما يجب القيام به، فإنّ تنفيذ الميناء التالي سوف يكون أسرع وأسهل». حسب كلامها، إنّ هاتين العبارتين نسبيّتين: إذ ما زالت كلمتا أسرع وأسهل تعنيان قضاء سبعة أيّام كاملة من العمل الدّؤوب والتركيز.
تصبغ إيميلي ريشاتها في المجلى الخاص بمطبخها، وأدواتها بسيطة للغاية وهي كناية عن: سكينين، ملاقط دقيقة، ومقصّ صغير، وهذا كل ما في الأمر. تؤكّد «لا أحتاج إلى أي شيء آخر، فما أقوم به، كما أي حرفيّ على ما أظن، يتمحور حول إمكانيّة السيطرة على حركات اليدين. ومع مرور السّنوات، تتخزّن هذه التقنيّات لتغدو شبه غرائزيّة فينا».
تعطي إيميلي معنى أشمل وقيمة أكبر للمهنة التي اختارتها، إذ تقول «أرى نفسي كحلقة ضمن سلسلة؛ فعندما تصنع الطبيعة الريش، فهي تصنع شيئاً رائعاً، وما أفعله أنا بهذا الرّيش يعيدها إلى الحياة». إن هذه الحياة التي تعطيها «إيميلي» لهذه الريشات، وبالإضافة إلى الحياة التي تعطيها دار بياجيه لساعاتها الميكانيكيّة الفخمة، هو عمل رائع بالفعل.