قطعة من الفلك على المعصم

لقد احتلت شظايا النيازك meteorites العديد من أوجه الساعات الراقية في السنوات القليلة الماضية، فما هو الشعور الذي يمكن أن ينتابك وأنت تحمل قطعة من الفضاء الخارجي على معصمك..؟ وكيف يتم إنتاج هذه الموانئ؟

إن المواد التي تُصنع منها الساعة الراقية هي من أهم العناصر التي تميّزها عن غيرها في القطاع. لذلك تعمد العديد من الدور إلى إدخال المواد المميزة إلى صناعة ساعاتها، وتتأنى في اختيار الأنواع التي تجعل من إصداراتها نادرة، جميلة ومميزة بالفعل. ومع أن الأسماء الكبيرة في القطاع تتوجّه إلى استعمال الذهب والأحجار الكريمة والماس في صناعة آلات الوقت التي تحمل توقيعها، إلا أنها أحياناً تستعين ببعض المواد الغريبة عن المهنة بعض الشيء، ومن هذه المواد التي أصبحنا نراها تحتل وجوه الساعات بشكل متزايد نذكر شظايا النيازك أو meteorites.

فما هو تعريف هذه الشظايا، ما مدى ندرتها، وكيف يتم العمل عليها وتحويلها إلى موانئ لآلات الوقت؟

 

النيزك هو عبارة عن جسيم موجود في النظام الشمسي، مكوّن من حطام الصخور ومن المعادن مثل الحديد والنيكل ومواد أخرى، قد يكون في حجم صخرة كبيرة أو على شكل حبيبات الرمل الصغيرة.

من الممكن أحياناً رؤية النيزك وهو يدخل إلى الغلاف الجوي وهو في هذه الحالة يُعرف باسم “شهاب”، أو “الشهاب الساقط” falling star أو shooting star. أما إذا وصل النيزك إلى سطح الأرض، فإنه في هذه الحالة يعرف باسم الحجر النيزكي أو meteorite. وكلمة نيزك في الإنجليزية تعني meteoroid وأصلها meteor وهي كلمة مشتقة من الكلمة اللاتينية  meteōros والتي تعني “الشهاب المتفجر”.

عمر النيزك يكون غالباً ملايين السنوات، وهو يحتوي أجزاء متبلورة ومتحوّلة إلى قطع زداجاة تشبه الكريستال، وهي تتكوّن تحت تأثير الضغط والتغيرات الحرارية المستمرة لقرون وقرون من الزمن، وتأتي بأكثرها من حزام الكويكبات الواقع بين المريخ والمشتري.

وبما أن سقوط النيازك على الأرض ليس بالأمر الذي يحصل بشكل مكثّف أو يومي، لذلك فإن الساعات التي تضم موانئ مصنوعة من الأحجار النيزكية هي قطع قليلة التواجد، لا تتم صناعتها بشكل كثيف، مما يزيدها فرادة وتميّزاً، خاصة وأن كل حجر نيزكي هو فريد بحد ذاته، لذلك فإن الموانئ التي يتم استخراجها منه لا تشبه غيرها.

 

النيازك، وجوه للوقت

 

لطالما كان الفلك موجوداً بنواحيه المختلفة في عالم صناعة الوقت، من خلال التعقيدات الفلكية مثل مراحل القمر، أو الرسوم التي تجسد السماء والنجوم، أو في الساعات التي تعتمد على الأبراج الفلكية كمصدر لإلهامها، وها هي الأحجار النيزكية تجد طريقها هي الأخرى إلى القطاع.

الدار الأولى التي استعملت الأحجار النيزكية كوجوه لساعاتها كانت Corum التي بدأت بذلك منذ ثمانينيات القرن الماضي واستمرت بإطلاق هذا النوع من آلات الوقت بين الحين والآخر، ونذكر منها ساعة Admiral’s Cup Legend 42 Meteorite Dual Time watch التي أطلقتها الدار في العام 2013، وهي ساعة أوتوماتيكية مصنوعة من الذهب الوردي، تمنح التوقيت الزمني الثاني على مينائها المصنوع من الحجر النيزكي، وقد أتت بكمية محدودة بـ75 قطعة فقط.

أما Rolex فقد بدأت مسيرتها في هذا المجال في العام 1999 حين أطلقت ساعة تقرأ التاريخ وأيام الأسبوع، وزوّدتها بميناء من شظايا النيازك، ومن أحدث إصدارات الدار في هذا المجال نذكر ساعة Rolex Day-Date 40 White Gold Meteorite Dial التي أطلقتها خلال معرض بازل للعام 2018.  والجدير بالذكر أن الدار تستخدم الأحجار الآتية من نيزك Gibeon الموجود في جنوبي غرب أفريقيا وتحديداً في Namibia، وهو موجود هناك منذ ما قبل التاريخ.

لا شك أن العمل على هذا النوع من الموانئ هو مهمة صعبة ومعدقة نوعاً ما، وذلك لأن الأحجار النيزكية هي جامدة ولكنها في الوقت نفسه هشة قابلة للتفتت، لذلك فإنها معرضة للتكسّر خلال عملية إنتاج الموانئ، ومن هنا تعمد الدور إلى تدعيم أكثرية موانئ ساعاتها المصنوعة من هذه المادة بصفيحة رئيسية مصنوعة من النحاس توضع أسفل الحجر لحمايته من التكسّر. والجدير بالذكر أن الماكينات التقليدية لا تقدر على القيام بهذه المهمة بنجاح، لذلك يتم استعمال أدوات الثقب والقطع التي تعمل بالموجات فوق الصوتية.

وأيضاً، فإن التفاصيل الجمالية لهذه الأحجار لا تظهر جلية إلا بعد معالجتها بنوع معين من الأسيد الذي يُظهر خطوطها وجمالها من ناحية، ومن ناحية أخرى، يمنحها القدرة على مكافحة التأكسد مع مرور الزمن بسبب النسبة العالية من المعادن التي تحتويها هذه الأحجار.

كما وتتنوّع التقنيات وطرق المعالجة التي تعتمدها الدور المختلفة لتعديل ألوان الأحجار النيزكية، وتعزيز مقاومتها للتلف أو التكسّر أو التأكسد، لتحافظ هذه الموانئ المميزة على جمالها وفرادتها لسنوات طويلة.

 

ومن الدور التي اعتمدت على الأحجار النيزكية في صناعة وجوه البعض من ساعاتها نذكر دار Louis Moinet التي اختارت أن تعمل على إنتاج ساعة مزوّدة بميناء يحتوي قطع من النيزك الوحيد الذي اكتُشف في قطر حتى اليوم ومعروف تحت اسم Qatar 001، وهو قد سافر مسافة تزيد عن 260 مليون كيلومتر ليحط رحاله في منطقة جريان البطنة. وقد أتت ساعة Qatar Tourbillon بمجموعة محدودة الإصدار بـ12 قطعة، مع علبة من الذهب الأبيض قطرها 47ملم، وحركة توربيون ميكانيكية يدوية التعبئة.    

أما Jaeger-LeCoultre فقد استعملت شظايا من مصدر سويدي لم تكشف عنه لإنتاج ساعة Master Calendar التي أطلقتها في العام 2015 وزوّدتها بميناء من الحجر النيزكي، وكانت الساعة الأولى للدار من هذه الفئة.

ومن الإنجازات المهمة في مجال استعمال الأحجار النيزكية في صناعة الوقت نذكر ساعة De Bethune Dream Watch 5 Meteorite التي أتت بعلبة مصنوعة من أحجار عمرها حوالي 4000 سنة. هذه القطعة الفريدة الإصدار تحتوي على حركة توربيون شديدة التميّز، وسعرها يقارب النصف مليون دولار. والجدير بالذكر أن Parmigiani Fleurier كانت أيضاً قد أطلقت في العام 2016 ساعات بوجوه من الأحجار النيزكية من ضمن مجموعتها Tonda 1950.

 

جديد الوجوه النيزكية

 

في معرض بازل للعام 2019، كشفت دار Romain Gauthier عن ساعتها الجديدة Prestige HMS Stainless Steel، وقد أتت هذه الساعة بعلبة من الفولاذ قطرها 43ملم وسماكتها 12,1ملم، تسكنها الحركة الميكانيكية Calibre 2206 HMS بمخزون للطاقة من 60 ساعة.

إن ما يجعل هذه الساعات مميزة ومثيرة للاهتمام هي موانؤها المصنوعة من حجر نيزكي مستخرج من Henbury Meteorites Conservation Reserve، وهي محمية واقعة في شمالي أستراليا، وقد تم اكتشاف هذا الحجر في العام 1931، وهو مصنّف ضمن فئة Octahedrit، التي تُعتبَر من الأحجار النيزكية الأكثر ندرة التي تم اكتشافها على كوكب الأرض، ولعل هذا هو السبب الذي دفع بالدار إلى إصدارها بعشر قطع فقط.   

كما أن Piaget كانت قد أطلقت في بداية السنة ومن خلال الصالون العالمي للساعات الراقية الذي أقيم في جنيف في يناير الماضي ساعة ساعة Altiplano Meteorite Dial التي أتت بميناء مصنوع من الأحجار النيزكية بألوان ثلاثة هي الرمادي، الذهبي أو الأزرق. أتت هذه الساعات بإصدار محدود بـ50 قطعة فقط، وسكنت علباً قطرها 40ملم  من الذهب الوردي. تسيّرها حركة أوتوماتيكية فائقة الرقة كاليبر 1203P من صنع الدار، وهي تتمتع بمخزون للطاقة يصل إلى 44 ساعة.

ها قد عرضنا لكم عدداً من أبرز الساعات التي تنقل الفلك الخارجي إلى آلات الوقت. لا شك أن الأشكال والخطوط الخاصة التي تحملها هذه الساعات في طياتها تجعل منها شديدة التميّز، ولكن رمزيتها وتميّزها يأتيان من ملايين السنوات من التحوّل والتجمّل لتستقر أخيراً على المعاصم. 

إعداد: ليزا أبو شقرا     

مجلة عالم الساعات والمجوهرات العدد 124

 

كلمات مفتاحية

مقالات ذات صلة