بدأنا منذ فترة من الزمن نلاحظ بشدة ميل العديد من السيدات إلى ارتداء ساعات المعصم الرجالية، تستعضن بها عن القطع الناعمة التي درجت الدور على تقديمها إليهن.
ترى اليوم على معاصم السيدات قارئات وقت زاخرة بالتعقيدات، فهن قد بدأن بتثقيف أنفسهن حول الآليات المعقّدة، وأصبحن يتقنَّ اختيار ما يتناسب مع أذواقهن من إنتاجات الدور الراقية. ولعل من أهم التأكيدات على اهتمام السيدات بالوظائف المعقدة، أن مسابقة جنيف الكبرى للساعات Grand Prix d’Horlogerie de Genève قد أضافت إلى جوائزها فئة الساعات النسائية ذات التعقيدات الميكانيكية Ladies’ High-Mech Watch Prize، كما أن الكثير من الساعاتيين يصبّون اهتمامهم اليوم على صناعة هذا النوع من القطع التي باتت في صدارة الإنتاجات المخصصة للجنس اللطيف.
ولمعلومات أكثر عن العلاقة «المليئة بالتعقيدات» التي تجمع بين السيدات وقارئات وقتهن، أقمنا حواراً مع الساعاتي
السويسري المستقل Jean-Marc Wiederrecht، المبتكر الذي يقف وراء العديد من أهم ابتكارات الوقت، ولا سيما الساعات الأنثوية المعقدة والبراقة. لمَ هذا الرجل؟ لأننا أردنا النظر بعمق إلى ساعة Lady Compliquée Peacock لدار Fabergé التي حصدت جائزة ساعة التعقيدات النسائية في GPHG 2015، حيث التعقيد الرئيسي والآلية يحملان توقيع شركة Agenhor التي يملكها Wiederrecht. يقول: «إن ساعة Lady Compliquée Peacock مستوحاة من «بيضة الطاووس» المزينة التي أطلقها Peter Carl Fabergé عام 1908، وهي إلى جانب تمتعها بصفات جمالية، تتمسك بشدة بصفات الوضوح، القياس الملائم لمعصم السيدة الناعم والراحة في الإستعمال، إلى جانب الإلتزام بأصول صناعة الساعات الراقية المتعارف عليها.»
والجدير بالذكر أن آلة الوقت هذه ومن خلال حركتها اليدوية التعبئة بمخزون للطاقة من 50 ساعة، تقرأ الساعات على إطار دوار مصوغ من عرق اللؤلؤ، والدقائق التراجعية بواسطة مؤشر نصف دائري وريشات ذيل الطاووس التي تتفتح وتتمدد مع مرور الدقائق، لتعود وتجتمع في حركة استعراضية عند بلوغها الـ 60 وتبدأ من جديد بقراءة دقائق الساعة التالية. يضيف جان-مارك: «لتحقيق هذا الابتكار، كان لا بد من صناعة حركة خاصة بدل من إضافة الآلية المعقدة إلى حركة ميكانيكية موجودة أصلاً، وذلك للمحافظة على الحجم الصغير للحركة ليتمكن من وضعها داخل العلبة البلاتينية قطر 38ملم.» وعن الخبرة والحرفية التي تتميّز بها صناعة الساعة قال: «إن هذه الساعة هي خلاصة كل ما تعلمته خلال حياتي المهنية. أنا جداً فخور بكوني أصبحت قادراً على «تخيّل» التعقيدات الجديدة الخاصة بالساعات النسائية، وتطبيقها على أكمل وجه. فأنا مؤمن أن السيدات، وبعيداً عن كل ما يشاع عن عدم اهتمامهن بالناحية التقنية للساعة، يقدّرن الساعات المعقّدة بشكل خاص إذا ما تم تصميمها وإنتاجها لتتناسب فعلاً مع أذواقهن وحاجاتهن، وهذا ما يميّز قارئات الوقت التي تتضمن تعقيدات فريدة من نوعها صُنعت خصيصاً للجنس اللطيف.»
ما لا شك فيه، أن النسخة الخامسة عشر لـ GPHG 2015 التي أعلنت نتائجها في 29 أكتوبر في Grand Théâtre de Genève تضمّنت عدداً لا يستهان به من أهم الإنتاجات الأنثوية، فبالإضافة إلى Lady Compliquée Peacock برزت ساعة Hublot Big Bang Broderie التي فازت بلقب الساعة النسائية الأفضل بمينائها المطرّز بالتعاون مع فريق عمل دار Bischoff السويسرية المتخصصة بأعمال التطريز، حيث اتجهت الدار إلى استعمال طبقات من ألياف الكاربون للعلبة والميناء مع «تطريز» الطبقة العليا منها، أما السوار فهو مصنوع من الحرير المطرّز بدوره والذي يغطي طبقة من المطاط. كما فازت الساعة السرية Audemars Piguet Diamond Punk بجائزة أفضل ساعة مجوهرات، مصوغة بالذهب الأبيض المصمم على شكل أهرام متداخلة، وقد تم ترصيعه بحوالي 8148 ماسة وبتقنية الترصيع الثلجي. وقارئة وقت نسائية أخرى خاضت سباق الجودة وفازت بلقب «أفضل ساعة عائدة إلى الحياة» Revival Watch Prize، هي ساعة Extremely Piaget Double Sided Cuff Watch المستوحاة من إحدى النماذج التاريخية للدار من العام 1970، حيث كانت ساعات الأساور تتحلى بشعبية واسعة جداً بين السيدات.
عشق تاريخي..!
في نظرة تاريخية إلى عشق السيدات للآليات المعقدة، يعود بنا الزمان والمكان إلى القصور الأوروبية في القرن التاسع عشر، حيث كانت كل من الكونتيسة دي أرتواز والملكتان كارولين مورات وماري أنطوانيت من أشد المعجبات والمتحمسات لأعمال الساعاتيين «جان أنطوان ليبين» و»أبراهام لويس بريغيه» اللذين لم يتوانيا عن تلبية طلباتهن وصناعة الساعات الأكثر تعقيداً لهن في تلك الحقبة. ولكن بالرغم من الحركات التحررية النسائية خلال القرن العشرين، لم تعطى الساعات النسائية أهمية كبرى من الناحية التقنية، فيما زُوِّدت تلك الرجالية بآليات ميكانيكية ووظائف معقّدة، لتأتي بعد ذلك ثورة الكوارتز في الستينيات، وتؤثر بدورها سلباً على صناعة الساعات النسائية. وحتى مع استعادة الآليات الميكانيكية لأهميتها في القطاع في التسعينيات، لم يتحسن الوضع بالنسبة إلى آلات الوقت النسائية التي احتفظت بحركات الكوارتز، بينما اقتصرت صناعة الحركات المعقدة على المجموعات الرجالية.
ونصل إلى بيت القصيد، محور بحثنا، حكاية الساعات النسائية في مسابقة جنيف الكبرى للساعات الراقية، منذ نشأتها وحتى اليوم. فالساعة الأولى التي نالت جائزة «العقرب الذهبي» Aiguille d’Or في النسخة الأولى لـ GPHG عام 2001، كانت ساعة Lady Kalla لدار Vacheron Constantin الخالية من التعقيدات الوظيفية، ولكنها استحقت الجائزة لتصميمها الفريد، علماً أن هذه الساعة قد حصلت أيضاً في السنة نفسها على جائزة «ساعة المجوهرات الأفضل»، كما ونالت ساعة Chronograph Flyback Pastel التي تضم كرونوغراف مزوّد بخاصية العودة إلى الصفر من Blancpain جائزة الساعة النسائية الأفضل للعام نفسه.
ثم وفي العام 2002 فإن ساعة Reine de Naples التي حصدت جائزة أفضل ساعة نسائية تتميّز تقنياً بعقاربها اللامركزية، وبمؤشر مراحل القمر الذي وضع عند الـ 12 من مينائها. ومع أن «التعقيدات البسيطة» إذا جاز التعبير، لم تغب عن المسابقة خلال السنوات التالية، إلا أن الكثير من القطع التي فازت بالجوائز أو التي كانت مرشحة للفوز كانت تعمل بواسطة حركات كوارتز أو آليات ميكانيكية بسيطة تكتفي بقراءة الوقت، ولكنها تميّزت بتصاميمها وتقنيات الترصيع التي تزيّنت بها. أما القفزة النوعية التي جعلت الساعات النسائية منافسة شرسة في المسابقة فقد حصلت في العام 2013 عندما تم إطلاق جائزة «أفضل ساعة تعقيدات نسائية» Ladies’ Complication Watch Prize التي فازت بها ساعة Lady Arpels Ballerine Enchantée، علماً أن إحدى عشر ساعة موقّعة بأسماء أهم الدور كانت قد اختيرت في المرحلة الأولى للمنافسة على الجائزة، لتصل سبعة منها إلى المرحلة النهائية.
أما في العام 2012 فقد تصدّرت ساعات التوربيون الفئات النسائية، ففازت ساعة Chanel Flying Tourbillon Première بجائزة أفضل ساعة نسائية، ويقول Nicolas Beau مدير قسم صناعة ساعات الدار عالمياً «عندما أنتجنا هذه الساعة، لم نكن نريد توربيون عادي، بل أردنا أن يكون طائراً، ومع زهرة كاميليا تدور فوق القفص، ما اعتبره Giulio Papi جنوناًفي البدء، ولكنه وجد الطريقة المثلى فيما بعد لتنفيذ تلك الفكرة المجنونة». ونصل إلى العام 2014 حيث تصدّرت ساعة Margot لدار Christophe Claret بواسطة وظائفها الرنانة وأسلوبها المميز لقراءة الوقت، ولعبة «يحبني، لا يحبني» التي تلعبها مع حاملتها، فئة الساعات النسائية المعقدة التي أصبح اسمها Ladies’ High-Mech Watch Prize، علماً أنها ساعة التعقيدات النسائية الأولى التي تحمل إسم الدار. كما فازت ساعة Women Off-Centered Hour ذات التعقيدات أيضاً لدار Blancpain بالجائزة الخاصة بفئة الساعات النسائية.
في الخلاصة يمكننا القول أن السيدات اليوم لم تعد تكتفين بمنافسة الرجال في الحياة العملية، وعلى المراكز القيادية والقرارية، بل أن موجة المطالبة بحقوق المرأة انتقلت عدواها ولو بعد فترة طويلة إلى عالم صناعة الساعات، فأصبحت أنظار السيدات تتجه إلى التعقيدات التي كانت حكراً على الجمهور الرجالي. فأعلنت العديد من الدور عن نيّتها برفع نسبة إصدارها للساعات النسائية لتلامس في بعض الأحيان الـ 50% من مجمل إنتاجها، مما يعني المزيد من ساعات التعقيدات الأنثوية، والمزيد من الساعات النسائية الفائزة بالجوائز والتقدير. فهل يمكننا اعتبار ذلك بمثابة انتصار جديد للمرأة، استطاعت من خلاله أن تبرهن اهتمامها بدقة وجودة المضمون، وعدم محدوديتها ووقوفها عند البهرجة والبريق الخارجي..؟
إعداد : ليزا أبو شقرا | words : Liza Abou Shakra