François-Paul Journe: صناعة الساعات عالمه وشغفه

يعمل François-Paul Journe على ابتكار وصناعة الوقت منذ أكثر من ثلاثة عقود، وهو يعتمد على خبرته في المجال وعلى معرفته العميقة في ما يخص تاريخ صناعة الساعات لمواجهة أصعب التحديات التي من الممكن أن تعيق عمله. وبهذا يؤكد على قدرته المستمرة في البحث والتطوير والابتكار بهدف بلوغ قمة الدقة والحرفية في صناعة الساعات الراقية.

الامتياز والدقة هما العنوانان الأساسيان لكل قطعة من ساعات F.P.Journe، فهذا الساعاتي المستقل يصنع كل الحركات الميكانيكية التي يضعها في قارئات الوقت التي تحمل توقيعه من الذهب الوردي عيار 18 قيراطاً، وذلك يُعتبَر ميزة خاصة جداً وفريدة من نوعها في القطاع، وهذه الحركات جميعها تحمل نقشاً لعبارة Invenit et Fecit التي تعني أنه قد تم ابتكارها وتنفيذها في مشاغل F.P.Journe في جنيف.

تجمع ساعات هذه الدار المستقلة بين الفنون من جهة والإتقان من جهة أخرى، فتتضمّن في قلبها الحرفية، الخبرة، الأفكار المتطوّرة والتقنيات الحديثة، كما أنها تلتزم بالمحافظة على تقاليد المهنة التي يلعب François-Paul Journe بفخر دور حارسها الأمين. فكيف بدأت حكاية الوقت بالنسبة إليه؟

فرنسي الأصل، ولد في Marseilles في العام 1959. لأنه كان طفلاً مشاغباً، تم إرساله في سن الرابعة عشرة إلى معهد محلي للعلوم المهنية، وفي العام 1976 تخرّج من مدرسة باريس لتعليم صناعة الساعات.

بداية مسيرته كانت في مشغل لأحد أعمامه Michel Journe والذي كان متخصصاً في تصليح وترميم الساعات التي تعود ملكيتها إلى أهم الشخصيات في تلك الفترة، إضافة إلى القطع التاريخية التي كانت تنتمي إلى المجموعات الخاصة الراقية، وبالتالي قد عمل على تصليح عدد من أهم قارئات الوقت التي أبصرت النور بين أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر. هناك اكتشف أصول صناعة الساعات، وأتيحت له فرص التعرّف إلى العديد من جامعي آلات الوقت المحترفين، وبدأ بصنع الساعات المميزة والحصرية لهم.

أنهى Journe العمل على الساعة الأولى التي حملت توقيعه في العام 1978، وكانت عبارة عن ساعة جيب تضم توربيون مع خاصية تقلل من الاحتكاك بين عجلة التوازن وآلية نشر الطاقة، مما يزيد من دقة عمل الساعة. وعلى غرار المعلم  Abraham-Louis Breguet شرع Journe إلى العمل على إنتاج آلات الوقت الفريدة من نوعها والتي استطاع من خلالها التأكيد على حرفيته في إيجاد الحلول لأصعب التعقيدات في عالم صناعة الوقت، ونذكر منها إنتاجه لساعات التوربيون التي تتمتع بالطاقة المستقرة، إضافة إلى ساعة فلكية تعرض حركة الكواكب، نموذج يمكن تحويله من ساعة معصم إلى ساعة عرض، ساعة جيب أوتوماتيكية تعرض الروزنامة الدائمة وغير ذلك من النماذج التي كانت تُعتبَر بمثابة إبتكارات وإنجازات في تلك الفترة. وإنجازه العاشر من ضمن هذه المجموعة كان عبارة عن ساعة معصم تمنح وظيفة الدقائق التردادية التراجعية إضافة إلى آلية رنانة بواسطة المطارق، كما أنها تعرض مخزون الطاقة، وقد احتوت آلية الدقائق التردادية وراء الغطاء السفلي للساعة بينما وُضعت الآلية الرنانة خلف الميناء مباشرة. بيعت هذه الساعة في العام 2000 بـ400 ألف دولار أميركي.

عندما افتتح François-Paul Journe مشغله الخاص في باريس في منتصف الثمانينيات، أثارت أعماله إعجاب أهم الجامعين في تلك الفترة، كما أنها حصدت العديد من الجوائز في القطاع، وابتداءً من العام 1987 أصبح شريكاً في أحد المشاغل في سويسرا حيث بدأ بالعمل مع أهم دور صناعة الساعات في سويسرا، فكان يمدّهم بخبراته بما يخص تصميم وتنفيذ وتصنيع وتجميع الحركات المبكانيكية المعقدة. وفي العام 1996، افتتح المشغل الخاص به في جنيف، ومن بين أهم عملائه نذكر Harry Winston، Piaget ، Breguet، Cartier وCorum. والمعروف في عالم صناعة الساعات، أن الساعاتي الذي يبدأ بتزويد الدور بالآليات وبأجزائها غالباً ما يبقى في الظل، ومع أنه هو من صنع الساعة المعقدة إلا أن الشهرة تكون عادة من نصيب الدار التي تسوّقها، وهذا ما حصل في البداية مع F.P.Journe، ولكن بعد ذلك تغيّر كل شيء.

في العام 1998 قام Journe بالكشف عن نيته البدء بإطلاق مجموعات من الساعات التي تحمل توقيعه، وكان أولها نموذجاً عمل على عرضه في إحدى حفلات الكوكتيل التي تقام على هامش معرض بازل، وهذه الساعة كانت تحتوي حركتين ميكانيكيتين مستقلتين تعملان بتناسق تام بأسلوب resonance أي أنهما تبضان على نفس الوتيرة وسرعة التذبذب. والمعلوم أن هذا الأسلوب في عمل الحركات الميكانيكية كان قد ابتكره عالم الفيزياء الألماني Christiaan Huygens

في العام 1665، وهو كان الأول الذي عمل على وضع نابض التوازن والرقاص في ساعات الحائط. أما الساعاتي الوحيد الآخر الذي اعتمد هذا النوع من العمل التقني في ساعاته فكان Abraham-Louis Breguet الذي استطاع بواسطة هذه التقنية إثارة إعجاب ملك بريطانيا جورج الرابع، وملك فرنسا لويس الثامن عشر.

وبينما كان Journe يعمل في أوائل الثمانينيات على ترميم مجموعة الساعات التاريخية التابعة لمدرسة Ecole des Arts et Métiers في باريس، حظي بفرصة دراسة ساعة الحائط Breguet Double Regulator No. 3177 التي صنعها Breguet للملك لويس الثامن عشر وأكملها في العام 1819. ومنذ ذلك الوقت قرر أن يطبق هذا النظام في ساعة، وكانت محاولته الأولى ساعة جيب في العام 1984 ولكنها فشلت، ليعود ويحقق هدفه هذا بعد ذلك بخمسة عشر عاماً من خلال ساعة معصم عصرية متطورة.

وتوالت إنجازات François-Paul Journe الذي تابع مسيرته في إضافة التحديثات إلى قطاع صناعة الساعات ونشر الثقافة الخاصة بهذه المهنة وإيصالها إلى أكبر شريحة ممكنة من الجمهور، كاشفاً عن العديد من الساعات الفريدة الإصدار التي تضم تعقيدات عمل على تطويرها وإعطائها هوية خاصة، وهي اليوم ضمن المجموعات الخاصة لعدد من أهم الجامعين وأكثرهم احترافاً حول العالم.

تعاون فريد أثمر مجموعة مثيرةعندما كان Maximilian Büsser مديراً تنفيذياً لقسم الساعات النادرة في دار Harry Winston قادماً إليها من Jaeger-LeCoultre، كان عليه أن يطلق إنجازاً فريداً من نوعه ليثبت أن دار المجوهرات التي ينتمي إليها أي «هاري ونستون» بإمكانها أن تكون أيضاً رائدة في عالم صناعة الوقت، لذلك كان يبحث عن طريقة يستطيع من خلالها أن يجمع بين أحجار الماس الرائعة التابعة للدار وآلة وقت لا مثيل لها، وعرف أن الحل الوحيد هو العمل مع أحد الساعاتيين المستقلين البارعين.

وخلال معرض بازل في العام 2000، كان Büsser يتحدث عن مشكلته هذه مع صديقه الساعاتي François-Paul Journe الذي لم يكن معروفاً كثيراً في تلك الفترة، وهو بدوره كانت لديه مشكلة. فهو يسعى إلى الحصول على فرص مهمة في القطاع، ولكنه في الوقت عينه لا يحق له بالبوح بالإنجازات التي قام بها من قبل في المهنة، وذلك لأن العقود التي يبرمها مع الدور الراقية التي يصنع لها الحركات تتضمّن بنوداً تفرض عليه التكتّم وعدم الإعلان عن دوره في إنتاج آلات الوقت التي تحمل تواقيع أهم الدور.

من هذا المنطلق كان الإتفاق، حيث اقترح Büsser عليه فكرة تصميم وتنفيذ ساعة مشتركة بينه وبين Harry Winston، على أن تعلن هذه الأخيرة على الملأ أن Journe هو من صمم ونفّذ الحركة الميكانيكية، وهكذا بدأت حكاية Opus.

كان Journe في تلك الفترة قد أطلق دار الساعات المستقلة الخاصة به أي F.P.Journe وذلك كان يُعتبر خطوة جريئة آنذاك، وهو يقول أنه كان سعيداً جداً بالتعاون مع دار «هاري ونستون» لأنها كانت المرة الأولى التي يتم فيها هذا النوع من التعاون بين دار للساعات وأخرى للمجوهرات. وفي قلب ساعة Opus 1 كانت تنبض الحركة الميكانيكية ذات التوقيتين الزمنيين Chronomètre à Résonance، وهي المرة الأولى التي يتم فيها إطلاق ساعة معصم تعمل بواسطة حركة تضم ميزانين يعملان بتناسق تام بأسلوب resonance الذي يضمن الدقة التامة وتُعتبَر الساعات المزوّدة بهذا النظام من أكثر آلات الوقت التي تتطلب حرفية وإتقاناً لإنتاجها. وغني عن القول أن هذا النجاح قد رسّخ فكرة أن Harry Winston قادرة على إنتاج الساعات الراقية المميزة، وأكد على القدرات الهائلة التي يتمتع بها الساعاتي المستقل François-Paul Journe.

والإنجازات تتوالى وإنجازات Journe التقنية لا تقف هنا، فهو أيضاً يبرع في إنتاج الساعات التي تعمل بواسطة الحركات الميكانيكية القائمة على نظام remontoir d’égalité أو constant-force remontoir حيث يقوم بتزويدها بمصدر إضافي للطاقة، يكون عبارة عن نابض أو أثقال، مهمتها أن تزوّد آلية نشر الطاقة وتوزيعها escapement مباشرة بمنسوب مستقر من الطاقة. فنظام الـremontoir يقوم بامتصاص تقلبات الطاقة القادمة من النابض الرئيسي، ويحمي آلية نشر الطاقة من تأثيرات تلك التقلبات، وبالتالي يضمن دقة عمل الحركة الميكانيكية.

هذا النظام الذي كان في القديم يُستعمَل في إنتاج ساعات الأبراج القديمة التي كانت تقرأ الأوقات في المدن لمقاومة تأثير الرياح على العقارب وبالتالي على عمل نابض الساعة وعلى دقتها، كما أنه كان معتمداً في الساعات الضابطة وكان يشغل قسماً كبيراً من فكر

Abraham-Louis Breguet وأبحاثه.

وفي العام 2014، كشف Journe عن مجموعة Elegante وهي الأولى التي ابتكرتها الدار للسيدات، وهي من دون أدنى شك تقدّم مفهوماً جديداً لعمل آلات الوقت النسائية. فهذه الساعات تتميز بالعمر الطويل إذ أنها تعيش لمدة 10 سنوات على معصم حاملتها، كما بإمكانها حفظ الوقت لمدة 18 سنة في حال لم يتم ارتداؤها، وهي تتحول إلى وضعية الـ stand-by بعد 30 دقيقة من توقف معصم حاملتها عن الحركة، لتعود تلقائياً إلى التوقيت الصحيح متى عادت إلى حركتها المعتادة. وذلك يعود إلى آليتها الإلكتروميكانيكية المتطوّرة والفريدة من نوعها والتي يظهر الجزء الكاشف عن سير عملها عند الـ 4. والجدير بالذكر أن جميع الأجزاء الميكانيكية من الحركة كاليبر 1210 قد صُنعت في مشاغل الدار، بينما تولى أحد المهندسين السويسريين تصميم الأجزاء الإلكترونية التي تمت صناعتها في سويسرا خصيصاً لصالح F.P.Journe.وقد أدخل Journe هذه التقنيات العالية الجودة والفريدة من نوعها إلى العديد من ساعاته المعقدة التي أصبحت مع الوقت تشكل تحدياً للبعض من دور الساعات الراقية التي لم تتوقع منه أن ينافسها على الإنجازات في القطاع، بل كانت تظن أن Journe سيبقى دائماً في الظل، يكتفي بصنع الآليات وأجزائها من دون الإعلان عن هويته والكشف عن حرفيته ذات المستوى الممتاز.

ولكن، بحسّه الفنّي، ورؤيته البعيدة المدى وقدرته على الابتكار والتحديث، ما زال هذا الرجل الحامل لجوائز عديدة في القطاع، الواثق من قدراته، مستقل والمتمسّك بحريته، يغني عالم صناعة الوقت بآلات قلت مثيلاتها، ويسعى إلى بناء الصورة التي يحب للمهنة التي، ومن كثرة شغفه بها، يمنحها القسم الأكبر من حياته اليومية، ومن أفكاره واهتمامه وجهده، جامعاً بين الناحية التقنية الدقيقة واللمسات الفنية التي تعطي أعماله نكهتها الخاصة.

 

إعداد: ليزا أبو شقرا

مجلة عالم الساعات والمجوهرات العدد 121

كلمات مفتاحية

مقالات ذات صلة