المنصات الإلكترونية وجه جديد لتجارة الساعات الراقية

لطالما كانت تجارة الساعات الفاخرة تقتصر على عرض الدور لأحدث مجموعاتها في بوتيك يضمّ عدداً من العلامات التجارية أو في كثير من الأحيان بمتجر للمجوهرات الفاخرة فيه قسم مخصص للساعات. ومع الوقت، بدأت أهم العلامات التجارية بفتح متاجرها الخاصة، إلى أن بلغ تأثير الإنترنت ذروته على مجال تجارة الساعات وبات من الضروري مواكبة العصر.

على الرغم من التطوّر السريع الذي شهدته أسواق التجارة الإلكترونية، إلا أن دور الساعات الفاخرة كانت بطيئة في تبنيه. من هنا، فقد ظهرت بدايةً منتديات الساعات التي شكلت منصة إلكترونية مخصصة لتبادل المعلومات بين عشاق الساعات وأصحابها وذلك حول أبرز الإصدارات وخصوصاً القطع النادرة والتاريخية. لهذه الأسباب، فإن دور الساعات الفاخرة قد فقدت بالتالي سيطرتها الكاملة على تقديم المعلومات للجمهور، وبات كل زبون قادر على مشاركة تجربته الخاصة مع الساعة التي يملكها عبر المنتديات الخاصة بالساعات.

ومن بين المنتديات المتخصصة بعالم الساعات نذكر أهمها WatchProSites الذي يسمح لأصحاب الساعات بمشاركة تجاربهم المختلفة بما يخص الساعات التي تحمل توقيع الدور الفاخرة، كما ويسمح للقراء مناقشة المنشورات من خلال التعليق المباشر. هذا بالإضافة إلى خلق دار Vacheron Constantin  منتدى خاص بزبائنها أي أصحاب الساعات الخاصة بهذه الدار فقط، والتي تسمح للمنتسبين بمشاركة تجاربهم وتسهيل عملية البيع والشراء في ما بينهم.

 

الأسواق التجارية الإلكترونية تجذب دور الساعات الفاخرة

مع بلوغ قيمة مبيعات أسواق التجارة الإلكترونية للمنتجات الفخمة حوالي الـ 41.8 مليار دولار بحلول عام 2019، حسب تقرير لمركز الدراسات والبحوثTechnavio ، أصبح التسويق عبر الإنترنت أمراً شديد الأهمية بالنسبة إلى تجار الساعات وإلى الدور المتخصصة بإنتاج الساعات الراقية. وفي حين تميّزت أهم العلامات التجارية الفاخرة عن بعضها من خلال خلق تجربة حصرية في متجرها الخاص، إلا أن التحوّل الكبير إلى الإنترنت عبر السنوات الأخيرة جلب معه مجموعة متطلبات جديدة بهدف جذب الزبائن. من هنا، تواجه دور صناعة الساعات الفاخرة الآن التحدي المتمثل في إعادة تحديد نهجها من أجل الحفاظ على أهميتها وضمان استمرار وصولها إلى الجمهور المستهدف.

ووفقاً لما ذكره تقرير Digital Luxury Experience Observatory لشركة الاستشارات الإدارية العالمية McKinsey في العام 2015، ستكون التجارة الإلكترونية ثالث أكبر سوق للرفاهية ومنتجات اللوكس في العالم بعد الصين والولايات المتحدة بحلول عام 2025. وبينما أصبح التسوق عبر الإنترنت أمراً شائعاً، يشير هذا التقرير إلى أن هذا الأمر قد لا يسبب أيّ ضرر بالمحال والبوتيكات الخاصة. ووفقاً لماكينزي، فإن التجربة الحية في البوتيكات والمتاجر لها التأثير الأكبر على قرار الشراء النهائي للمستهلك، لأن الناس ما زالوا يرغبون في تفحص المنتج عن قرب والتفاعل معهقبل شرائه.

ففي السابق، ازدهرت تجارة الساعات الفاخرة بسبب ولاء الزبائن لدار الساعات، وذلك من خلال الذهاب مباشرةً إلى المتجر المحدد وإجراء عملية الشراء. لم يعتمد البيع وقتها على عوامل السعر أو مواصفات المنتج، بل فقط على تجربة الزبائن للساعة. إلّا انه ومع عرض الدور لساعاتها الفاخرة في أسواق التجارة الإلكترونية، فقد سهّل هذا الأمر إجراء مقارنة شاملة بين الساعات والأسعار، مما يعني أن المتسوقين اليوم ليسوا مطلعين على المعلومات فحسب بل باتوا أكثر تعوداً على الإختيار.

ومن هذا المنطلق، اختارت دار الساعات الفاخرة Audemars Piguet استراتيجية Click to Try أو “النقر للتجربة” على موقعها الرسمي. يتيح ذلك لعشّاق الساعات إنشاء ملف خاص وحجز موعد مع خبير الساعات الفاخرة المتواجد في أقرب متجر خاص بالعلامة، وتجربة الساعات التي ينوون شراءها أو قاموا بشرائها عبر الإنترنت. هذا الأمر، يسمح للدار فرصة التعرف أكثر على زبائنها وتبادل معهم المعلومات الدقيقة حول أحدث مجموعاتها.

وفي حديث خاص مع Jorn Wirdelin، الشريك المؤسس لدار الساعات الفاخرة Linde Wirdelin، أكد فيه أن الدار كانت من أوائل الداعمين للطرق الجديدة في التفاعل مع عملائها دون الحاجة إلى زيارة المحل التجاري، أي منذ بداية العام 2007، بحيث لجأت إلى خدمة تجربة الساعات بشكلٍ مجاني في المنزل. أما وفي العام 2008، مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعية والمدوّنات الإلكترونية، لم تتوان الدار عن دخول هذا المجال وعرض منتجاتها للبيع على هذه المواقع. وأضاف أنه بين العامين 2013 و2014، احتلت صفحة Linde Wirdelin على موقع إنستقرام المرتبة الأولى من حيث عدد المتابعين.

ويضيف Jorn أنه عندما بدأت أزمة بيع الساعات الفاخرة بالجملة في منتصف العام 2015، رأت دار Linde Wirdelin فرصة للتفاعل المباشر مع العملاء الحاليين والجدد، وتقديم خدمة شخصية وأكثر أماناً في عمليات الشراء والبيع عبر الإنترنت. من هنا، حرصت الدار على إدراج خاصية البيع أو Shop على موقعها الرسمي، ووفقاً له: “إننا نفضل التركيز على موقعنا الخاص لعرض ساعاتنا، فنحن نعرف منتجاتنا وعملائنا بشكلٍ أفضل”.

وهو يعتبر أيضاً أن الوسائط الإلكترونية قد أتاحت للدار الوصول إلى جمهور أوسع والتحدث معه على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة. أما عن التحديات التي تواجهها الدار في عملية البيع الإلكتروني، يجد Jorn أنها “لا تختلف كثيراً عن طريقة البيع المباشرة ذلك لأنها مرتبطة بكسب ثقة العملاء وفهم متطلباتهم”.

 

المواقع الإلكترونية الجامعة

انتشرت في السنوات الأخيرة وبشكل كبير المواقع الإلكترونية التجارية التي تعنى ببيع الساعات من مختلف العلامات الفاخرة، ومن أهمها نذكر Mr Porter، Jomashop، Chronotext، The Limited Edition، Farfetch، Bamford watch department وغيرها. وفي حديثٍ خاص مع Pietro Tomajer، الشريك المؤسس لشركة The Limited Edition، أخبرنا أن هدفهم هو أن يكون هناك منصة إلكترونية مخصصة لعشاق الساعات الذين يبحثون عن القطع الاستثنائية من الدور المستقلة، تسهّل فرصة العثور عليها وتمكّنهم من شرائها. وعن التحديات التي تواجهها التجارة الإلكترونية، اعتبر Tomajer أن “التحدي الحقيقي هو خلق السمعة الجيدة، والوصول إلى العملاء الذين يبحثون عن المعلومات الإضافية عن الساعة، بدلاً من البحث فقط عن أفضل الأسعار. ففي العام 2015، أي عندما تأسست الشركة، كان يُنظر إلى الأسواق الإلكترونية على أنها منصات تجارية مخفَّضة الأسعار، مما تسبب بالضرر لسمعة الدور الفاخرة. من هنا، قررنا رفع مستوى البيع عبر الإنترنت، والتحدث عن تقنيات الساعة وتقديم الإرشادات لهواة الجمع ومحبي الساعات الذين يريدون تجربة علامات تجارية جديدة واختبار طريقة عصرية للخدمة”.

إن البيع عبر الإنترنت لم يؤثر سلباً على طريقة البيع التقليدية، وفقاً له، ذلك لأن جميع العلامات الفاخرة قادرة على إنشاء منصتها الخاصة عبر الإنترنت وبناء سمعتها من حولها. ويعتبر أنه “طالما أن جمهور الدار على دراية بسمعة الدار ويقدّر خدمات الموقع، فسيقوم باتخاذ قرار مستقل حول مكان الشراء، يتعلق الأمر بالقدرة على لمس المنتج والشعور به”.

وفي حديثنا مع المدير العام لموقع Mr Porter السيد Toby Bateman، قال أنه “وبعد أن قدمنا للرجل العناصر اللازمة لإطلالة أنيقة، كان من الضروري منحه فرصة شراء ساعة تزيّن معصمه. لذا فقد رأينا فرصة توفر للعميل الحديث وسيلة بديلة عن المحال التقليدية لشراء الساعات الفاخرة، فكانت البداية مع دار Bremont في العام 2013 أما حالياً فنحن نعرض لـ20 من أهم الدور العالمية للساعات”.

أما عن تحديات البيع الإلكتروني، إعتبر Bateman أن “التحدي يكمن في أنه لا يمكن للعملاء لمس المنتج أو تجربته قبل أن يقرروا شرائه وهذا ما دفعنا إلى تزويدهم بمعلومات وصور وفيديوهات متعمقة حول كل ساعة تبرز حجمها والمواد المصنوعة بها، بالإضافة إلى إمكانية التواصل المباشر مع خبراء الساعات لدينا في فريق خدمة العملاء الذين يجيبون على الإستفسارات على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع”. ويتابع “من ناحية الخدمة، خاصة في نيويورك ولندن، نوفر تسليم آمن في نفس اليوم مما يمنح عملاءنا ثقة إضافية للشراء بسرعة”.

وبالانتقال إلى الأسواق العربية، أعلنت دار TAG Heuer، العلامة السويسرية الرائدة في صناعة الساعات، عن شراكتها مع موقع Ounass Men وهي منصة البيع الإلكترونية الفاخرة في دولة الإمارات العربية المتحدة. وفي هذا الإطار، سوف يتعاون الفريقان لبيع أحدث ساعات الدار السويسرية، بحيث أن هذه الشراكة تمثل أول تعاون لها مع منصة تجارة إلكترونية تركز على سوق الشرق الأوسط وتهدف إلى تسهيل عمليات التسوق وتأمين راحة العملاء.

 

آراء الخبراء

لقد دخلت المدوّنات والمجلات الإلكترونية المتخصصة بعالم الساعات أيضاً مجال تجارة الساعات من بابه العريض، بحيث جمعت أبرز وأهم الخبراء في هذا المجال، بالإضافة إلى عشاق الساعات والمطّلعين عليها. إن هدف المدوّنات (الخاصة او العامة) والمجلات الإلكترونية المتخصصة، هو تسليط الضوء على أحدث مجموعات الساعات، القطع النادرة وتلك المميّزة التي يتم بيعها في المزادات العالمية مثل Sotheby’s وChristies. فوظيفة تلك المدوّنات والمجلات الإلكترونية، لا تقتصر فقط على عرض المعلومات (والتي يمكن الوصول إليها من خلال موقع العلامة التجارية الخاص) بل إنها تهدف وعلى غرار المنتديات، إلى جمع التجارب الخاصة للساعات مع التفاعل المباشر مع القراء وصولاً إلى تحويلها إلى منصات بيع إلكترونية للساعات الفاخرة.

من هنا، فالمدوّنات والمجلات الإلكترونية الأكثر شهرة، مثل Hodinkee، Revolution، Watch time magazine، Monochrome، وغيرها، أضافت خاصية “تسوّق” أو SHOP، والتي فتحت المجال أمام القراء وعشاق الساعات، لشراء الساعة على الفور خصوصاً بعد الإطلاع على تجربة الخبير الذي استطاع كسب ثقتهم عبر السنوات. وكمثال على الطرق الحديثة لبيع الساعات عبر شبكة الإنترنت، نطّلع وإياكم على طريقة عمل موقع Watchonista، الذي يعرض آلات الوقت المتوفّرة لدى ثلاثة من أهم المحال التجارية المتخصصة ببيع الساعات الراقية، وهذه المحال هي: Wempe، Watches of Switzerland وWestime. لا يتيح هذا الموقع فرصة الشراء الإلكترونية لكنه يمنح زواره خيارين: الأول هو إمكانية التواصل مع المتجر للتأكد من السعر، أما الثاني فهو تحديد موعد لزيارة المتجر واختبار الساعة عن قرب. وهنا نعود لنشدّد على أهمية التجربة التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من عملية تجارة الساعات في المطلق.

أما وبعد المصداقية الكبيرة التي حصل عليها خبراء الساعات، سرعان ما تحوّلت صفحاتهم على مواقع التواصل الإجتماعي، منصات تسويق لأهم الساعات الفاخرة، (ونذكر منهم: Watchanish، Singaporewatchclub، Wristi  وغيرهم) بينما تسمح صفحات العلامات التجارية مثل Vacheron Constatin فرصة التعرّف على أهم الساعات التي يتمّ عرضها على المنتدى الخاص بها والذي يملك صفحةً خاصة بعنوان The Hour Lounge. نذكر أنه وبعد 10 سنوات على إنشاء هذا المنتدى الخاص، قررت الدار إغلاقه في العام 2017.

 

التصميم حسب الطلب

في عام 2003، عندما أسس George Bamford شركة Bamford Watch Department المتخصصة في تصميم ساعات رولكس الرياضية حسب الطلب (وذلك من خلال اختيار لون العلبة والتشطيبات الخاصة والميناءات الفريدة)، فإن فكرة رغبة المستهلك بالحصول على ساعة تشبهه ومشاركته في عملية التصنيع، لم تكن شائعة في مجال صناعة الساعات الفاخرة.

بالمعنى الدقيق للكلمة، التصميم حسب الطلب كان متاحاً دائماً، شرط أن يكون الزبون على استعداد لإنفاق مبلغ كبير من المال والوقت لتصميم ساعته الخاصة. ولكن اليوم، وبفضل مطالب الجيل الجديد أو جيل الإنترنت، الذي لديه اهتمامات بالمنتجات الشخصية أكثر من الأجيال السابقة، أدرك روّاد مجال صناعة الساعات الفاخرة أنهم بحاجة إلى توفير هذه الخدمة بسهولة أكبر.

وفي معرض BaselWorld للساعات والمجوهرات في شهر مارس 2017، قدمت Bulgari أول نموذج قابل للتصميم حسب الطلب من مجموعة Serpenti مازجة بين عملية البيع التقليدية والبيع عبر الصفحات الإلكترونية. وقد سمحت لزبائنها اختيار لون العلبة والميناء والسوار عبر الإنترنت، في حين يحصلون على ساعتهم الخاصة من متاجر Bulgari المحلية والقريبة من مكان سكنهم.

أما Titan Black الشركة المتخصصة في بيع الساعات المصممة حسب الطلب في ورشة عملها في وسط لندن، قامت بتصميم ساعة Rolex Daytona  بحركة هجينة للشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، حاكم أبو ظبي ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة. زوّدت الساعة، بنظام إضاءة متطور LDS يكشف اسم صاحبها عند إضاءتها يتم تشغيله بواسطة زر الكرونوغراف، وهذه الخدمة متاحة للجميع عبر موقع Titan Black الإلكتروني.

وفي هذا الإطار أيضاً، وإيماناً منها بأن الرفاهية لا ترتبط فقط بالسعر بل بامتلاك قطعة فريدة ونادرة، خصّصت دار Armin Strom فرصة للعملاء لتصميم ساعاتهم الخاصة. من هنا، فإن Watch Configurator يسمح لعشاق الساعات باختيار الحركة، شكل ولون العلبة، نوع ولون السوار، الميناء…بأسرع وقت وبكبسة زر.

 

في الختام…

في الحقيقة، إن التجارة الإلكترونية أصبحت عنصراً أساسياً وضرورياً في مجال صناعة الساعات الفاخرة، خصوصاً في العصر الرقمي المتسارع الذي نعيشه. ولكن، وعلى الرغم من تطوّر طرق التسويق للساعات وتعدد القنوات الإلكترونية، إلاّ انها في الواقع لم تلغي أبداً أهمية زيارة المحال التجارة والتجربة الحيّة التي لها الفضل الأخير في التأثير على رغبة العملاء في الشراء. بل يمكن القول انها سهّلت وصول إصدارات العلامات التجارية المعروفة والمستقلة إلى شريحة كبيرة من العملاء وعشّاق الساعات، وزادت من اطلاعهم حول الساعات التي تجذبهم. 

إعداد: ساندي برمو

مجلة عالم الساعات والمجوهرات- العدد 124

 

 

 

كلمات مفتاحية

مقالات ذات صلة