المهندس برنارد خوري.. لا توقيت محدد للإبداع ولكنه بالتأكيد وليد الزمن والخبرات

يستقبلك المهندس برنارد خوري في مكتبه الواقع في منطقة الكرنتينا-بيروت بابتسامة صغيرة ولكنها عميقة من القلب، فهو وإن قال أنه «لا يبتسم إلا نادراً»، فإن جلستنا معه وحديثنا الشيّق لم يخلوا من تلك «النوادر» التي خصنا بها ذلك الرجل الأربعيني القليل الكلام والإبتسام، ولكن الغزير الأعمال والإنجازات على مستوى لبنان والعالم.

برنارد خوري 2

المهندس برنارد خوري

عن مفهومه للوقت وحسن استثماره له، عن شغفه بمدينته بيروت، عن مشاريعه وحياته العملية وعن علاقاته بالعائلة والأصدقاء تحدّث إلينا، فارتأينا أن نتشارك وإياكم أفكاراً قلما نسمعها على لسان مهندس شهير، لا يعتمد التعريفات العامة التي «تُطبَّق» في جميع الحالات، بل يؤمن بأن كل إنجاز هو وليد حالة معينة وظروف خاصة، ولا ثوابت لديه إلا في الإصرار والإقدام والتعلم من الأخطاء السابقة.

برنارد خوري حاصل على شهادة ماجستير في مجال الدراسات الهندسية من جامعة هارفرد، حائز على جوائز عالمية لإنجازاته في القطاع، ومحاضِر في العديد من المؤتمرات والجامعات في لبنان والخارج، وهو يملك ويدير استوديو DW5 الذي يشكل مرفقاً هاماً لإنتاج التصاميم الهندسية، يسعى إلى توفير الموارد اللازمة لتنمية ودعم المشاريع الخاصة بعدد كبير من المطوّرين، المهندسين المعماريين، والمخططين والمصممين، وهو عبارة عن ورشة عمل غنية بالأفكار الجديدة ومنصة مفتوحة  لهم.

الأستوديو شاسع، الوجوه بشوشة، والأرض حمراء..! ولا أقصد أن هنالك سجادة حمراء لاستقبال الضيوف المهمين لأن كل زوار المكان هم طبعاً مهمون، بل أن الأرض مغطاة بالكامل بطبقة من الفينيل الأحمر، وذلك لأن «اللون الأحمر، وإن كان ليس من الألوان المريحة كثيراً للنظر، إنما بإمكانه أن يبقيك صاحية، ويساعدك على التزوّد بالطاقة والحيوية والتركيز حين تعملين لوقت طويل..» بهذه الكلمات شرح لي سبب اختيار الأحمر لتلوين أرضية مكتبه.

يعتبر خوري أن «الوقت يمر بسرعة شديدة» يغيّرنا من جميع النواحي، الجسدية والعقلية والسلوكية، ومضيّه يكشف أكثر لنا وللمحيطين بنا عن ذاتنا وعن مكنوناتها، وهو يحاول «الإستفادة قدر الإمكان من كل ثانية، ومن كل اختبار» يمر فيه. من هنا فإن «الوقت كنز ثمين، كثيف من ناحية المشاعر والعلاقات، وبيدنا أن نجعله غنياً بالإنجازات».برنارد 3

يقول «عبر سنين طوال، أرخى الوقت ظلالاً معتمة على مدينتي الحبيبة بيروت»، ولكنها ما زالت مدهشة ومثيرة للفضول، تحيّر الناس بقدرتها على الصمود في وجه الزمن، و«وأنا أعشق هذه المدينة، ولن أملّ يوماً من ظروفها القاسية المتكررة». وهو باقٍ فيها طالما هي قادرة على إلهامه للمزيد من العطاء، مع أنه يعرف تماماً أنها «لن تشفى» في وقت قريب. هو مستمر في محاولات تجميلها بالمشاريع الشديدة التميّز التي يقف وراءها، والتي تتنوّع بين مبانٍ سكنية، أخرى تجارية ومصرفية، إلى جانب العديد من المطاعم والنوادي الليلية التي يساعد من خلالها أهل بيروت على «الإستمتاع بوقتهم»، نذكر منها على سبيل المثال B018، أول مشاريعه في المنطقة وهو ذو هندسة فريدة من نوعها جذبت الكثيرين إلى اختبار تجربة السهر المميزة في ذلك المكان الواقع تحت الأرض، ولكنه مفتوح لرؤية الفلك. وإلى جانب ذلك أمثلة كثيرة عن مشاريع مدهشة زيّنت بيروت لتقف إلى جانبها في مواجهة الزمن.

 

العلاقة ما بين الماضي والحاضر والمستقبل، والتغيّرات الثقافية والحضارية والمجتمعية على مر العصور، أمر يشغل قسماً من أفكار برنارد خوري، الشغوف بالفنون الكلاسيكية، يستلهم منها خطوط البعض من أعماله المعاصرة، وذلك يظهر في عمل Vitruvius in Quaratine الذي عُرض في ميلانو في العام 2015. يمثل هذا المشروع الهندسي نفقاً مستدير الجوانب على طرفه الأول مجسم رخامي لـ Vitruvian Man الذي يشبه من حيث تركيبته التماثيل التي كانت تزيّن المدن التاريخية، وهو الرسم البياني للأبعاد المثالية لجسم الإنسان، والذي نفذه الفنان Leonardo Da Vinci حوالي العام 1490، بناءاً على الخطوط الهندسية التي وصفها المهندس Vitruvius في الجزء الثالث من كتابه De Architectura . أما على الطرف الآخر فنرى الإنسان المعاصر الذي يظهر على شاشة وهو يسعى جاهداً إلى اتخاذ الوضعية الجسدية المثالية. «وزوار المعرض كان عليهم عبور نفق الزمان هذا، وقد توجّب عليهم بطبيعة الحال اتخاذ وضعيات مشابهة للرجل الرخامي لاجتياز المسار ذو الأرضية غير المسطّحة، حيث يجدون أنفسهم تائهين «متأرجحين» بين زمنين مختلفين».

Picture 284

مطعم Black Box People

Picture 226

مطعم Black Box People

 

الوقت يصنع أبطالاً ولكنه قادر على إطفاء الشهرة والبريق. «الشهرة بالنسبة إلي مهمة بقدر ما يمكنها أن تمنحني فرصاً مهمة في مجالات العمل والإنجازات، ولا تجذبني الشهرة لمجرد الشهرة لأنها إن كانت غير منتجة، لا ركائز لها، فهي تنطفئ بسرعة ولا تدوم».

3

Plot 7950 في فقرا

لا توقيت محدد للإبداع، ولكنه بالتأكيد وليد الزمن والخبرات. فالأفكار المبتكرة ممكن أن تأتي في أي لحظة، ولكنها مرتبطة بشدة بالخبرة والتمرين والقدرة على التخطيط. القرارات يمكن اتخاذها بسرعة أحياناً، وهي في أحيانٍ أخرى تحتاج إلى المزيد من الدراسة والتخطيط ، فلكل مشروع خصوصياته وظروفه ومتطلباته. ممكن للمخططات أن تتبدل، وللرسوم أن تُنجز مرات عدة، ولفريق العمل أن يُعدَّل ويتغيّر، ولكن ما لا شك فيه أن إدارة الوقت وحسن استثماره شيء في غاية الأهمية «ففي عملنا يجب الإلتزام بالمواعيد المحددة لإنهاء المشاريع، وذلك من باب الواجب واحترام أوقات الزبائن».

2

Plot 7950 في فقرا

1

Plot 7950 في فقرا

لا يمكننا أن نرجع بالوقت إلى الوراء. ما قد فات قد فات، وعقارب الوقت تمضي إلى الأمام. «لا أندم على شيء فعلته، بل على أشياء لم أفعلها، وأدرك تماماً أن الفرصة لن تعود اليوم لتحقيق ما كنت أريد تحقيقه في الماضي. فالرصيد الزمني مفتوح، لا حدود مرئية له، ولكن الإفلاس ممكن أن يكون مفاجئاً». ولأن الوقت يسير باتجاه معاكس لذلك الذي تسلكه الذكريات، يسعى برنادر إلى قضاء أطول وقت ممكن مع العائلة والأصدقاء الذين يجمّلون الحياة، وهو بحسب تعبيره، يريد أن يذكره الناس ويتذكرونه «بفرح» دائماً.

إعداد : ليزا أبو شقرا

مقالات ذات صلة