زيارة إلى Montblanc

تتدرّج مجموعة Montblanc من القطع العصرية ذات الأسعار المقبولة وصولاً إلى أعلى مستويات آلات الوقت اراقية. لذلك لا تسمحوا لأحد بأن يقول لكم أنها ليست من صنّاع الساعات الحقيقيين. بل قوموا بزيارة مشاغلها في منطقتي Le Locle و Villeret في جبال الجورا السويسرية، واحكموا بأنفسكم.   

إن المشكلة التي يعانيها الشخص البارع في مهنة ما هي أنه يصبح من الصعب عليه أن يصبح معروفاً في أي مجال آخر حتى ولو برع فيه أيضاً. مثلاً تألق Oprah Winfrey كمقدمة برنامج حواري تلقي بظلالها على مهارتها في التمثيل (على الرغم من ترشيحها لجوائز الأوسكار والغولدن غلوب وBAFTA). أيضاً دار Louis Vuitton ما زال يُنظر إليها كصانع حقائب سفر وحقائب يد جلدية، بالرغم من النجاح الكبير الذي تحرزه في عالم الموضة. أمّا Porsche فهي ما زالت بنظر الأكثرية شركة مصنّعة للسيارات الرياضية، بينما هي تبيع سيارات Porsche Cayenne أكثر من أي موديل آخر لديها. وينطبق الأمر نفسه على الممثلين الذين يُطبعون بأدوار مختلفة، فعلى سبيل المثال Jennifer Aniston هي بنظر الأغلبية ما زالت ترتدي زي راشيل في مسلسل “فريندز”، بينما هي استطاعت لعب العديد من الأدوار الدراماتيكية المهمة، كما أن Morgan Freeman انطبع بأدوار الوالد الحكيم، فيما لعب أيضاً عدداً من الأدوار الكوميدية.

ولهذه الأسباب، ما زال البعض لا يصنّف Montblanc ضمن فئة الدور الصانعة للساعات الراقية. فهذه الشركة عُرفت بصناعة الأقلام الفاخرة لفترة طويلة من الزمن منذ العام 1906، مما أدى إلى حصرها في هذه الخانة بالرغم من عملها حتى اليوم لأكثر من عقدين من الزمن في مجال صناعة الساعات ونيلها عدد من الجوائز في مسابقة جنيف الكبرى للساعات الراقية Grand Prix d’Horlogerie de Genève إلا أن صفة “صانعة الأقلام الفاخرة” ما زالت تلازمها بشدة، حتى أن البعض يستخدمها للإدعاء بأن عمل الدار في مجال صناعة الساعات ليس بالمستوى المطلوب. أما واقع أن صناعة الأقلام الفاخرة تتطلب المهارات نفسها المطلوبة لصناعة الساعات الراقية، فهي موضوع آخر، نناقشه في وقت آخر.

وزيارة واحدة إلى مشاغل Montblanc في سويسرا من شأنها أن تضع حداً لهذه المغالطة فما تراه هناك هو موازٍ لما تراه لدى أي صانع ساعات بارز آخر، لا بل هو متفوّق على عدد من المشاغل الأخرى التي سبق لي وقمت بزيارتها.

جميع مشاغل الساعات تؤدي غالباً الوظائف نفسها وبالترتيب نفسه، بعض هذه الوظائف والخصائص يمكنك رؤيتها بأم العين مثل العمليات التقنية ومستوى الحرفية، والبعض الآخر منها غير مرئية، ولكن يمكنك الشعور بها عند زيارة المشغل. وفي ما يلي، أتشارك معكم خمسة نقاط أساسية أثارت اهتمامي وإعجابي خلال النهار الذي أمضيته في مشاغل Montblanc في Le Locle وVilleret.  

 

مزيج من القديم والجديد، الفني والصناعي

المبني الأساسي للدار في Le Locle هو عبارة عن فيلا جميلة مبنية بأسلوب Art Nouveau، تقع على تلة مطلة على المدينة. إذا كنت تقف في الشارع، فلن يكون المبني مرئياً بالنسبة لك، بل محجوباً وراء الأشجار الخضراء. الطابق السفلي من الفيلا قد تم توسيعه نحو الحديقة ليتضمّن المشاغل والمختبرات الخاصة بالدار، حيث تتم عمليات الإنتاج التي تخرج عنها المجموعات الرئيسية التي تحمل توقيع الدار، فتكتمل على مناضدها العمليات التقنية والتجميع اليدوي واللمسات والتشطيبات الأخيرة، إلى جانب اختبار الساعات والتأكد من جودتها وحسن أدائها.

 

أما الدخول إلى مشغل الساعات الراقية في Villeret فهو يشبه الرجوع في الزمن. وهذا ليس مفاجئاً، فصناعة الساعات المعقدة تتطلب الكثير من التركيز والعمل بوتيرة بطيئة، كما أن المبنى كان يشكل في الماضي المقر الرئيسي لشركة Minerva التي تأسست في العام 1858، وكانت خلال القرن العشرين إحدى أشهر الشركات من ناحية التخصص في صناعة ساعات الكرونوغراف، تم شراؤها من قبل مجموعة Richemont في العام 2006، وتسليمها إلى Montblanc. هنا في Villeret، ما زالت الآلات الثقيلة التي يتم تشغيلها يدوياً تُستعمل لقطع الصفائح الرئيسية، وهذه الآلات هي قديمة لدرجة أن قطع الغيار التي تتطلبها صيانتها، يجب أن تتم صناعتها يدوياً كونها لم تعد موجودة. ولكن الساعاتيين يفضّلون استخدام هذه الآلات الأصيلة بدلاً من تلك الحديثة.

 

مدير قسم الساعات هو مصمم، وذلك بادٍ عليه

في معظم الشركات الكبرى، يأتي مدير قسم الساعات من خلفية تقنية إنتاجية. ولكن David Cerrato هو مصمم، مع خبرة في مجال السلع الإستهلاكية، والتسويق للإلكترونيات وللسيارات، إضافة إلى شغفه بالساعات وبالسيارات طوال حياته. هو معروف عالمياً بأسلوبه الشخصي المميّز، الذي يتضمّن مزيجاً بين القديم والعصري، وفي استديو التصميم معروف بكونه الشخص الذي يدقق في التفاصيل بشكل كبير. كل العمليات الفنية من الرسومات التصميمية الأولى إلى النماذج الثلاثية الأبعاد الأولى، وليس فقط التصميم المتكامل للساعة بل نحن نقصد كل جزء من الساعة، أي العقارب، المؤشرات، التاج، كل منها لوحده أو بعد جمعه مع الأجزاء الأخرى، اتخاذ القرارات بما يخص الألوان، المواد وطرق التزيين، تصميم الأساور والمشابك، كل هذه الخطوات تتم في قسم التصميم الذي يقع مقابل الفيلا في Le Locle، تفصل بينهما الطريق.

 

هم يصنعون النوابض الشعرية الخاصة بهم

في حين أن بعض الدور تصرّح أنها تصنع النوابض الشعرية الخاصة بساعاتها في مصانعها، فإن الحقيقة إن قلة منها صادقة من هذه الناحية. فهذه العملية متخصصة جداً، وهي مكلفة كثيراً في حال لم يتم تنفيذها على نطاق صناعي واسع، أي بكميات كبيرة. فالنابض الشعري هو قلب الحركة الميكانيكية حرفياً، كونه الجزء الذي ينبض، وMontblanc هي واحدة من الدور القليلة جداً التي تقوم بتصنيع نوابضها بنفسها (إلى جانب Lange، Bovet، Moser و Schwartz Etienneوالقليل غيرها. ولنكون أكثر وضوحاً، فإن Moser تصرّح بأن إنتاج النوابض الشعرية الخاصة بساعاتها يتم من قبل “شركة شقيقة”، هي Precision Engineering، حتى وإن كانت هذه الشركة مملوكة من قبل Moser ومركزها في المبنى نفسه). في مبنى Minerva التابع لمونبلان في Villeretظن يمكنك مشاهدة الآلات التي تقوم بتقليص قطر الشريط المعدني من 0,6ملم إلى قرابة الـ0,1ملم، أي ما يوازي سماكة الشعرة البشرية. من المذهل مشاهدة السلك وهو يمر من الأمام إلى الخلف بالاتجاهين، من خلال مكابس خاصة على شكل حلقة تم ضبطها بطريقة تجعل هامش الخطأ لا يتعدى المايكرون الواحد.

 

صندوق الكنز المذهل

في المبنى الزجاجي في Villeret، ترى صندوقاً خشبياً ضخماً يحتوي الكثير والكثير من الأدراج، منتصب في وسط الغرفة. عندما تقوم بفتح أي من الأدراج، تقع عيناك على كنز مدهش: موانئ بيضاء مطلية بالمينا لشركة مينيرفا، وهي ما زالت في أوراق الشمع الأصلية المخصصة لحفظها، كما ويمكنك اكتشاف الآلاف من أجزاء الساعات من إنتاج مينيرفا من العجلات إلى البراغي إلى الجسور وغيرها. إلى جانب ذلك، هناك كمية من الرسومات التخطيطية للعديد من الحركات الميكانيكية من مينيرفا والتي لم يتم إنتاجها أبداً من قبل. لذلك ليس من العجب أن يطلق David Cerrato على هذه الموجودات إسم “منجم للذهب”.

 

يمضون 500 ساعة وهم يحاولون تكسير الساعات

لنكن أكثر دقة، ربما يجب علينا القول أنهم يمضون هذه الفترة للتأكيد على أن الساعة لن تتلف بسهولة. فإذا كنت تظن أن صالة التمارين الرياضية مع الآلات التي تكون موجودة فيها تشبه غرفة التعذيب، فإن ذلك لا يُعتبَر شيئاً مهماً أمام كمية الآلات الموجودة في مختبر الدار في Le Locle. ماكينات تقوم برمي الساعة مراراً وتكراراً عن علو متر، أخرى تقوم بأرجحة الساعة بقوة، وآلات مهمتها تعريض الساعة إلى كم هائل من الضغط (مع الماء أو من دونها)، حتى أن هناك ماكينات تعمل على تمديد السوار وتعريضه للضغط. صحيح أن ذلك يبدو قسٍ وخالٍ من الرحمة، إلا أنه مطلوب لأي ساعة تريد أن تحمل شهادة 500 Hours Quality Certificate أي 500 ساعة من اختبار الجودة في مختبرات مونبلان، قبل أن يتم إرسالها إلى السوق.

إعداد: ساندرا ليين   

مجلة عالم الساعات والمجوهرات العدد 127   

 

كلمات مفتاحية

مقالات ذات صلة