لا شك أن انتشار فيروس كورونا المستجد COVID-19 يمثّل تحدياً عالمياً، وقد لامس عدد الإصابات حول العالم اليوم التسعة ملايين ونصف المليون، وفرضت هذه الجائحة العالمية الكثير من الإجراءات الواجب اتخاذها من قبل سكان العالم، والتباعد الاجتماعي هو أهمها، وذلك بهدف تقليص عدد الإصابات والحد من انتشار الفيروس، مما أدى إلى إصابة الاقتصاد العلمي بالشلل المؤقت منذ أوائل شهر مارس 2020، أي لما يقار الأربعة أشهر حتى اليوم.
وكما نعلم أن قطاع صناعة وتجارة الساعات ليس باستثناء، بل أن تداعيات هذه الأزمة الصحية العالمية كانت قاسية عليه كغيره من القطاعات، لا بل أن الدراسات تشير إلى تراجع هائل في الإنتاج والبيع، لم يشهده القطاع لا خلال أزمة الكوارتز التي واجهها عام 1975، ولا خلال الأزمات المالية والاقتصادية التي واججها العالم بين العامين 2007 و2009، والتي كانت لها تأثيرات سلبية شديدة على القطاع.
فلنلقِ إذاً نظرة على تداعيات أزمة كورونا على قطاع الساعات، ونحاول استشفاف ما يتوقّعه الخبراء لمستقبل هذا القطاع، علماً أن بعض الدول قد بدأت محاولة استعادة أنفاسها من خلال العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية مع التمسّك بالإجراءات الوقائية الملزِمة تحت ظل استمرار انتشار المرض، مع الأمل باكتشاف العلاجات واللقاحات التي من شأنها أن تطوي هذه الصفحة الأليمة من سيرة حياة أبناء القرن الواحد والعشرين.
تأثيرات الأزمة على قطاع الساعات
كما ذكرنا سابقاً، إن قطاع صناعة وتجارة الساعات الراقية هو كغيره من القطاعات التي لم تستطع مواجهة أزمة كورونا العالمية، فقد فرضت هذه الأخيرة الإغلاق القسري لمشاغل الساعات وبوتيكاتها حول العالم، كما وإقفال المرافق الجوية والبحرية والبرية حول العالم مما أدى إلى الحد من التنقّل والسفر، كما وتسببت أزمة كورونا بتأجيل أو إلغاء النشاطات السنوية التي تدخل ضمن إطار روزنامة الساعاتيين، والتي ينتظرها خبراء الساعات وجمهورها من سنة إلى أخرى.
وبحسب الناطق باسم اتفاقية أرباب العمل لصناعة الساعات السويسرية، لودوفيك فواللا، فإنه من أصل 50,000 موظّف يعملون ضمن نطاق شركات إنتاج وبيع الساعات، يعاني اليوم 40,000 شخص من البطالة الجزئية، وهذا أمر لم يسبق له مثيل في القطاع. وبحسب تقرير نشرته الشركة السويسرية الأصل “فونتوبل”، وهي خبيرة العالمية في الشؤون المالية والاقتصادية، فإن قطاع الساعات سوف يعاني هذه السنة من تراجع في الصادرات بمعدل 25% على الأقل، أي أكثر من التراجع الذي شهده في العام 1975 مع أزمة الكوارتز والذي بلغ 15,2%، ومن معدل تراجع القطاع في ظل أزمة العام 2009 والذي بلغ 22%، وبحسب تقرير الاتحاد العالمي لصناعة الساعات السويسرية Federation of the Swiss Watch Industry، فإن صادرات الساعات لهذه السنة سوف لن تتعدى الـ16 مليار فرنك سويسري، وهو تراجع هائل مقارنة بالعام 2019 الذي بلغت فيه قيمة الصادرات في القطاع 21,7 مليار فرنك، وهي النتيجة الأفضل منذ العام 2014، وهو العام الأفضل للقطاع منذ بداية القرن الواحد والعشرين، وقد وصلت الصادرات خلاله إلى 22,2 مليار فرنك سويسري.
كيف تتعامل شركات الساعات مع أزمة كورونا؟
بالرغم من كل التأثيرات السلبية لأزمة كورونا على الاقتصاد العالمي وعلى قطاع الساعات، يمكننا القول أن هذه الأزمة لم تستطع النيل كلياً من هذا القطاع النشيط، فالعديد من شركات الساعات لم تتوقّف عن إطلاق النماذج الجديدة التي حضّرتها لهذه السنة، ولكنها استعاضت عن النشاطات الكبرى التي كانت تنظّمها في عدد من أبرز المدن العالمية وتدعو إليها الصحافيين المتخصصين وخبراء الساعات وزبائنها المهمين وجمهورها المحلي، بإقامة اللقاءات الافتراضية عبر منصات شبكة الإنترنت، بحيث استطاع المهتمون بالاطلاع على جديد قطاع الساعات التعرّف على النماذج الجديدة التي أطلقتها الدور الراقية.
على سبيل المثال لا الحصر، بادر القيّمون على معرض Watches and Wonders الذي كان سيقام في أواخر شهر أبريل الماضي، إلى تغيير استراتيجيتهم. فالموقع الإلكتروني الخاص بهذا المعرض عمد إلى عرض النماذج الأبرز التي تحمل تواقيع الدور الثلاثين التي كانت ستشارك في المعرض، مع إفساح المجال لزوار الموقع للتعرّف على الإنتاجات الكاملة للدور من خلال الولوج إلى مواقعها الإلكترونية الخاصة عبر الروابط التي توفّرها لهم. والدور المشاركة هي A.Lange & Söhne وArmin Strom وArnold & Son وBaume & Mercier وBovet وCartier وChristophe Claret وDewitt وChristophe Claret وDewitt وFbabergé وGirrard-Perregaux، إلى جانب Grönfeled وH. Moser & Cie وHermès وHYT وIWC وJaeger-LeCoultre وLaurent Ferrier وMB&F، إضافة إلى Monblanc وOfficine Panerai وParmigiani Fleurier وPiaget، وأيضاً Purnell وRebellion وRessence وRoger Dubuis وRudis Sylva وSpeak-Marin وأخيراً وليس آخراً Ulysse Nardin وVacheron Constantin.
ومن ناحية أخرى نظّمت بعض هذه الدور لقاءات حصرية عبر الإنترنت مع الصحافيين والخبراء في القطاع، كما ونرى أن بعض الدور قد بادرت إلى تأمين خدمات البيع الإلكتروني والتوصيل إلى الزبائن حول العالم.
بينما قامت بعض الدور بمبادرات من وحي الأزمة، ونذكر على سبيل المثال Breitling التي أنتجت ساعة Superocean Heritage ’57 Limited Edition بكمية محدودة بـ250 قطعة وقد باعتها جميعها بسرعة البرق، وذلك أوحى للدار بإنتاج مجموعة أخرى من هذه الساعة تتألف من 1000 قطعة أخرى وقد أطلقت عليها تسمية Rainbow نظراً إلى مينائها الأزرق ومؤشراتها وعقاربها التي تضج بالألوان الزاهية، وقد خصصت هذه الساعة لدعم الجسم الطبي الذي يعمل في علاج الناس من فيروس كورونا المستجد، وذلك لضخ القليل من الأمل في النفوس في وسط هذه الأزمة التي اجتاحت العالم.
ماذا بعد كورونا..؟
بحسب التوقعات فإن بعض الدور العريقة أمثال Patek Philippe وOmega وRolex وAudemars Piguet، سوف تستطيع النهوض من هذه الأزمة بوتيرة أسرع من غيرها لأنها تمتلك القدرات الهائلة على الإنتاج والبيع، كما أن معظم الدور التابعة إلى المجموعات الكبرى مثل Richemomt وLVMH وKering وSwatch Group سوف تتمكن من النهوض قريباً على خلاف العديد من الدور الأخرى المستقلة التي ستحتاج إلى وقت طويل لاستعادة قوتها، حتى أن بعضها لن يستطيع استكمال العمل بحسب آراء البعض في القطاع.
من هنا، ليس بمقدورنا إلا التمسّك بالأمل لغد أفضل لسكان الكرة الأرضية بشكل عام، وأن نرفع التمنيات بإشراقة الحياة من جديد في كامل أرجاء الأرض.
إعداد: ليزا أبو شقرا