في أواخر القرن التاسع عشر، عندما كان السفر للاستجمام حكراً على الأغنياء والمثقفين، انتشرت الفنادق الكبرى في مختلف أنحاء أوروبا، ومن بينها فندق ومنتجع Dolder Grand and Kurhaus، الواقع على تلّة مطلّة على مدينة زيورِخ وبحيرتها، وجبال الألب البعيدة. وقد أضحى العديد من هذه الفنادق آنذاك، ومن بينها Dolder، المقصد الأبرز لنخبة من الزبائن الذين كانوا يكررون زياراتهم إليه موسماً تلو الآخر .
بيد أنه ومع مرور الوقت، وبعد نحو قرن من الزّمن، واجه فندق Dolder Grand العريق صعوبات عدّة لم تعانِ منها بعض تلك الفنادق الأخرى، إذ لم يعد أسلوبه وخدمته يتماشيان مع المتطلبات العصرية للأغنياء من حول العالم. وكادت قصته أن تُشرف على النهاية، لولا تدخل المتموّل السويسري Urs Schwarzenbach الذي يكنّ تعلّقاً شديداً بالفندق، فلم يتوانَ عن اتخاذ تلك الخطوة الجريئة، آخذاً على عاتقه مهمّة إصلاح أوضاعه، مكلفاً المهندس البريطاني الشهير Sir Norman Foster مهمة إعادة التصميم الجذرية لهذا المعلم.
وعوض محاولة دمج المبنى التاريخيّ مع سائر المباني والملحقات التي تشبهه، صمّمت شركة Foster+Partners جناحين فائقي العصرية، يحيطان بالمبنى الأساسي على شكل نصف دائرة تعانق ملامح التلال المشجرة وتأسر المناظر الخلابة.
وفي لمح البصر، بات الفندق المخضرم تحفة عصريّة مع ضيافة وخدمة ملائمتين وقد ضمّ مجموعة من اللوحات الرّائعة لفنانين أمثال Miro, Magritte, Dalí, Warhol, Keith Haring, Tamara de Lempicka وتطول اللائحة… ذلك بالإضافة إلى منتجع صحّيّ يكاد يكون خارجاً عن هذا العالم!
ولعلّ أوّل ما يتناهى إلى مسامعنا عند السّؤال عن المنتجع، هو مساحته الهائلة الممتدّة على 4000 متر مربّع. (وهو مذكور في الموقع الإلكترونيّ للفندق أيضاً). نعم إنّ مساحته كبيرة، لكنّ الأهمّ هو الخدمات التي تقدّم ضمن هذه المساحة!
تتوسط المنتجع بركة سباحة مذهلة من الغرانيت الأسود، مع سقف بعلو عشرين متراً يتصل به جدار زجاجي بالكامل. وتمتدّ على المساحة الخارجيّة أمامه بركة سباحة خاصة للمنتجع، مقسّمة إلى ثلاثة أقسام، كلّ منها بدرجة حرارة مياه مختلفة، وهي تطل على المشهد الخلاب للمدينة والبحيرة في الأسفل. أمّا في الداخل، فتوجد غرف مذهلة للاستحمام والحمام البخاري والتدليك، إضافة إلى «غرف الثلج»، كما يمكن لرواد المنتجع أن يعيشوا تجربة «ممشى التأمّل» الذي ينتهي بقبّة من المرايا. أمّا غرف العلاجات، فموجودة في طوابق مختلفة، لتأمين العزلة التامة، ويمكنني وصف جلسة الإهتمام بالبشرة «أمالا» بإحدى أروع العلاجات الخاصة بالوجه التي خضعت لها في حياتي، فهو كناية عن تسعين دقيقة من النعيم!
في هذا الفندق، من البديهيّ أيضاً أن تكون المطاعم نخبوية من الدّرجة الأولى. The Restaurant وهو الذي يتحلى بطابع رسمي، والوحيد في زوريخ الذي يتمتّع بنجمتين من قبل دليل «ميشلن» الذي يصنّف الفنادق والمطاعم حول العالم، ويديره الشيف Heiko Nieder. أمّا مطعم Garden فيتحوّل من مساحة مفتوحة نهاراً (حيث تضمّ وجبة الفطور أخف وألذ طبق bircher muesli المؤلف من حبوب الشوفان والفواكه والحليب، على وجه الأرض) إلى مرتع أنيق وجوّ هادئ ليلاً، يقدّم لرواده موائد غنية بالأطباق والمشروبات المميزة التي تتحلى بذوق رفيع، إلى جانب الخدمة المميزة التي يمنحها فريق العمل المتخصص.
بحسب رأيي الخاص، إن Dolder Grand يمكن وصفه بأنه «فندق المدينة» بامتياز، فهو يبعد مساحة 15 دقيقة عن المحال التجاريّة والبوتيكات وصالات العرض في وسط زوريخ، لكنّه يتألّق أيضاً كوجهة مستقلّة للسواح وطالبي الراحة، والأكيد أنه استطاع الإرتقاء بمفهوم المنتجع الصحي القديم Kurhaus إلى مستوى مغاير تماماً.
إعداد : ساندرا ليين | words : sandra lane
Images: Heinz Unger for The Dolder Grand