بعد أن كانت الرائدة في إطلاق فكرة الشراكات في العالم الرياضي كوسيلة للاتصال مع الجمهور ونشر اسمها، ما زالت Rolex اليوم هي من تضع أجندة علاقات التعاون هذه والجدير بالذكر أن الأمر لا يقتصر على الربح المادي فقط.
حين تتواجد على حلبة التزلج Wollman Rink في Central Park في نيويورك، لا يمكنك أن تنسى أنك موجود في قلب المدينة: فحول أجمة الأشجار الخضراء التي تحيط بالمكان، تلوح ناطحات السحاب في الأفق طويلة القامة. في الشتاء، تبدو الأشجار عارية، الأرض بيضاء مغطاة بالثلج، والمساحة الجليدية تعج بالمتزلجين، ولكن في هذا اليوم المعتدل اللطيف المناخ، أرى مساحة التزلج مغطاة بالرمال، يقف عليها عدد من أهم الخيول من حول العالم، ومعهم نخبة من الفرسان، وقد عُلقت حولهم اللافتات الإعلانية الخضراء والذهبية لدار Rolex.
هو إطار رائع يقام فيه Central Park Horse Show، هذا الحدث الذي لم يكن من المتوقع أن تشهد نيويورك مثله يوماً، ولكن شغف مؤسسه Mark Bellissimo وزوجته Katherine التي تمارس الفروسية، كان كافياً لأن يتم إطلاق هذا النوع من النشاطات الرياضية في المدينة. والملفت أنه، وإلى جانب الإهتمام الذي حظي به من قبل أهم المنافسين العالميين في هذه الرياضة، استطاع أيضاً أن ينال شراكة Rolex وهو ما يزال في نسخته الثانية عام 2015، هذه الدار التي تتلقى المئات من عقود الشراكات الرياضية في كل عام ولكنّها لا توقّع ألا عدداً قليلاً منها.
غالباً ما تتوجه Rolex نحو الشراكات الطويلة الأمد. على سبيل المثال: الدار على علاقة شراكة مع بطولة Wimbledon لكرة المضرب منذ 38 عاماً، كما أنها الراعي الرسمي لسباق Daytona 24-Hour منذ العام 1992، ولسباق اليخوت Sydney-Hobart Yacht Race منذ العام 2002. من ناحية ثانية، إن علاقاتها مع سفرائها هي أيضاً طويلة الأمد، فمنذ أواخر ستينيات القرن الماضي ما يزال سائق الفورمولا السابق البريطاني Jackie Stewart سفيراً للدار، كما أن علاقتها مع سفيرها لاعب الغولف الأميركي Arnold Palmer بلغت الخمسة عقود من الزمن، وانتهت مع وفاته في سبتمبر 2015 عن 87 عاماً، إضافة إلى ذلك تحافظ Rolex على شراكتها مع السوبرانو Kiri Te Kanawa منذ سبعينيات القرن الماضي، ومع Plácido Domingo لثلاثين عاماً حتى اليوم.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا تختار دار كبرى مثل Rolex، يمكنها بناء العلاقات مع أكبر الشركات حول العالم، وتمتلك القدرات المادية لوضع اسمها أينما أرادت بهدف نشره وتسويقه، أن تبني علاقة تعاون مع هذا الحدث الذي يُعتبر حديث العهد؟
«إن علاقتنا بعالم الفروسية تعود إلى زمن بعيد في أوروبا» يشرح Laurent Delanney، مدير القسم المسؤول عن الشراكات لدى Rolex (فبطل قفز الحواجز Pat Smythe أصبح سفيراً للدار في العام 1957)، و»تماماً كما يفعل Mark وKatherine، نحن نحاول أن نساهم في وضع الفروسية على الخريطة الرياضية الأميركية، وبشكل خاص في نيويورك. والأهم من ذلك، علاقتنا مع الأشخاص، والقيم المشتركة بينهم وبين الدار. هذه العلاقة الوطيدة هي الأساس في نجاح الشراكات».
الشراكات اليوم هي في صلب استراتيجيات الدور والشركات الكبرى، والسفراء هم في أساس خطط التواصل والإنتشار، ولكن الفضل الكبير في إطلاق هذه الفكرة يعود إلى Hans Wilsdrof الشريك المؤسس لدار Rolex الذي أطلق هذه الفكرة للمرة الأولى في العام 1927. فبعد سنة من إطلاق الدار للساعة الأولى المقاومة لضغط الماء، قام Wilsdrof بإعطاء واحدة من هذه الساعات إلى السباحة Mercedes Gleitze لتضعها على معصمها خلال محاولتها اجتياز القناة الإنكليزية، لتكون المرأة الأولى عالمياً التي قامت بهذه المغامرة. احتفلت الدار مع Gleitze بنجاحها، ووضعت إعلاناً لها في صحيفة Daily Mail وسواها من الصحف. وما زالت Rolex حتى اليوم تستفيد من هذا النجاح كشهادة جودة لساعاتها.
لا شك أن الاستثمارات الضخمة التي تضخها Rolex في مجال الشراكات الرياضية تحقق لها الكثير من النتائج الجيدة على مستوى الإنتشار (وردت بعض الترجيحات في المجلة الإقتصادية Bilan حول إنفاق Rolex ما بين 160 و180 مليون فرنك سويسري في هذا المجال خلال العام 2015). وأساس هذا النوع من النشاطات يرتكز في المقام الأول على القيم التي تلتزم بها الدار، وليس فقط على التخطيط الاستراتيجي والمادي. فبالنسبة إلى Hans Wilsdrof، تقوم إستمرارية العمل على حماية الأرباح وإعادة استثمارها، لذلك حرص على تحويل Rolex إلى مؤسسة ووضع جميع أسهمها ضمن هذا الإطار، مما يجعل أعضاء مجلس الإدارة في الدار أوصياء على أسهمها، وليسوا مالكين لها. وبالتالي، يمكن للدار أن تعاود استثمار أرباحها سواء في تطوير منتجاتها، أو (لأهداف غير ربحية) من خلال دعم أصحاب المواهب الإستثنائية في الرياضة والفن، في محاولة منها للمساهمة في دعم هذه المجالات وتطويرها.
تفضل Rolex استعمال كلمة «الشراكة» بدل «الرعاية»، من الممكن أن يقال أن الفرق بين التسميتين ليس كبيراً، ولكن بعد مشاركتنا في اليومين اللذين استضافتنا الدار خلالهما في نيويورك، خلال عطلة نهاية الأسبوع التي تضمنت أيضاً حفلاً في Metropolitan Opera House وزيارة لـNew York
Yacht Club، بدا لنا الفرق واضحاً.
بالنسبة إلى أي دار أوبرا، عادة تكون ليلة الإفتتاح للموسم الجديد مشحونة بالتوتّر، ولكن الترحيب الدافئ الذي لقيناه من قبل الفريق المنظِّم كان أكبر دليل على أن العلاقة بين Metropolitan Opera House وRolex التي تأسست في العام 2011 هي أعمق من العلاقة المادية البحتة. فبعد جولة في الكواليس، أدركنا مدى صعوبة وتعقيد عمليات التحضير لعرض 25 إنتاجاً مسرحياً على مدى 33 أسبوعاً، لذلك لم يكن من المستغرب بالنسبة إلينا عندما شرح لنا المدير العام Peter Gelb أن الميزانية السنوية لدار الأوبرا هي حوالي 300 مليون دولار أميركي. حوالي نصف هذا المبلغ يجب أن يتم تأمينه من خلال الرعاة والتبرعات، وأقل من واحد في المئة تؤمنه الهبات الحكومية. وهنا صرّح Gelb ولكن من دون إعطاء أرقام واضحة، أن Rolex من أهم المساهمين، ولكنها ليست المساهم الأكبر، ولكن مشاركتها هي بالتأكيد على قدر كبير من الأهمية.
ولكن، هذا القدر من التبعية المادية، ألا يفتح المجال للمتبرعين بالتدخل في أعمال الدار؟ يجيب Gelb: «عندما انضميت إلى دار الأوبرا منذ 11 عاماً، وضّحت لمجلس الإدارة أن القرارات المتعلقة بالأعمال الفنية تُتَّخذ فقط من قبل الفريق الفني. وبالرغم من اعتمادنا الكبير على الرعاة، إلا أننا لن نأخذ أي توجيهات فنية منهم».
ولكن ما هو المعيار الذي من خلاله تختارون الشركاء؟ يجيب: «غالباً ما تتخذ الأمور منحى طبيعياً، فنحن نرحّب بأولئك الذين هم مهتمون بمساعدة Metropolitan Opera House».
والأمر سيّان بالنسبة إلى نادي اليخوت في نيويورك، الذي تأسس في العام 1844. ومع أنه ليس أقدم الأندية المشابهة في العالم، يُعتبر New York Yacht Club من أهمها. وعلى مائدة الفطور في المركز الخاص بالنادي والواقع في West 44th Street، شرح لنا العميد Bill Ketchum عن العلاقة الوطيدة التي تربط النادي بـ Rolex، وهي «مبنية على القيم المشتركة، والارتباط العاطفي بالتقاليد والجودة في الإنتاج». ولكنه لم يذكر لنا أي شيء حول الوضع المادي للنادي.
ولكن، مع وجود 3,300 عضو (من الميسورين) يدفعون اشتراكاتهم، لا نظن أن هذا النادي يواجه أي تحديات مادية، فلماذا أنتم بحاجة إلى الشراكة مع Rolex؟
يجيب Tom Cagnina رئيس الإتحاد الخاص بالمشتركين بالنادي: «بكل بساطة لأننا لا نستطيع القيام بالنشاطات الكبرى من دون رعاية Rolex. فلتنظيم سباق NYYC Invitational على سبيل المثال، وهو مُصنَّف كأهم بطولة سباقات اليخوت في العالم، نحن بحاجة إلى تأمين عشرين يختاً متطابقاً، إضافة إلى عشرين طقماً من الأشرعة الجديدة».
وبفضل العلاقة الوطيدة التي تجمعهما منذ الخمسينيات، نشأت بين الطرفين روابط متينة، يضيف Ketchum: «نحن أصبحنا على معرفة وثيقة ببعضنا البعض، ونتحاور بصراحة تامة حول ما يمكن عمله وما لا يمكن».
لكن وبالرغم من وجود هذه العلاقات، لا ترضى Rolex بمظاهر «التسويق العلني»، فكل ما تراه في النادي مما يخص الدار هو إحدى الساعات المعلقة على الحائط، وذلك ينطبق أيضاً على شراكتها مع بطولة Wimbledon، حيث لا يقبل المنظمون بالتعاون إلا مع الرعاة الذين يقدمون خدمات للبطولة، كضبط الوقت على سبيل المثال، كما أنهم لا يقبلون بوضع اللوحات الإعلانية الظاهرة جداً. في نادي الغولف Augusta National الواقع في ولاية جورجيا الأميركية، خلال بطولة The Masters، لا ترى أي ساعة لـ Rolex، ولا حتى عند لوحة النتائج. أما في دار الأوبرا Metropolitan Opera House فهناك فقط ساعة حائط واحدة لـ Rolex في قاعة الإستقبال، وخط رفيع يرمز إلى الدار على الجهة الخلفية للكتيّب الذي يتضمّن برنامج العرض. من هنا فإن الطريقة المبهرجة الصاخبة التي تعتمدها Rolex للتسويق في بطولة الفورمولا واحد تبدو غريبة نوعاً ما.
إلى جانب اختيارها الإرتباط بالأنشطة الرياضية والمؤسسات حيث تكون دعايتها صامتة في الغالب، تختلف Rolex عن غيرها من الدور أيضاً بأنها لا تُصدر المجموعات المشتركة مع شركائها. والجدير بالذكر أن ساعتها الشهيرة التي حملت اسم حلبة السباق في Daytona، أنتجتها الدار في أواسط الستينيات، أي قبل أن تنشأ علاقة الشراكة بين الدار والسباق. (هذه الساعة تم إطلاقها في العام 1963، في السنة نفسها التي أطلقت فيها ساعة Cosmograph Le Mans، ولكن اسم هذه الأخيرة لم يدم طويلاً في ذاكرة الجمهور).
ولكن، من المستفيد أكثر من هذه الشراكات؟ بشكل عام، الفريقان هما في موضع الفائز. الفريق الآخر يربح ثقة Rolex ودعمها. ومن ناحية أخرى، هذا النوع من الشراكات من الممكن أن يساهم في رفع أي رياضي شاب موهوب إلى مركز مهم بين العظماء والأبطال في مجاله، وهذه بحد ذاتها فائدة لا تقدَّر بثمن.
أما Rolex فهي تستفيد من خلال اتحادها مع «أحد أهم المنابر الثقافية في العالم» يقول Gelb، كما تتمكن الدار من خلال علاقاتها هذه من نشر قيمها وأفكارها بين الجمهور بشكل أوسع.
إذا كان اختيار Rolex لسفرائها يبدو وكأنه من الأشياء التي يمكن التنبؤ بها، كونها تختار الأبطال الرياضيين، أو الشخصيات «الكلاسيكيين» المهمين في المجتمع، فلا يجب أن ننسى أن الدار، وخلال مسيرتها المهنية، لطالما كانت مستقلة في مسيرتها، لا تنجرف أبداً مع التيار، ولا تتقيّد بالتوجهات السائدة لتحقيق الأرباح على المدى القصير. وأيضاً فإن قراراتها المصيرية تأتي نتيجة دراسة وبحث، وليست مفاجئة. فإذا أخذنا على سبيل المثال شراكتها الجديدة مع الـ Academy Awards، أليست حفلات الأوسكار تتمحور بقسم كبير منها حول مرور النجوم والمشاهير على السجادة الحمراء، والطلة التي يبهرون بها الجمهور العالمي، وهي تبدو معاكسة تماماً لأجواء الأوبرا الكلاسيكية؟ بالنسبة للبعض، من الممكن أن يبدو الوضع كذلك، ولكن بالنسبة إلى Rolex فإن حفل الأوسكار يساهم في دعم السينما، وذلك من الممكن اعتباره بمثابة جزء لا يتجزأ من برنامج الدار Mentor & Protegé لدعم الفنون. لذلك يمكننا القول أن كل الإشارات تدل إلى أن Rolex دخلت إلى قلب الأوسكار لتبقى هناك.
مجلة الساعات والمجوهرات -عدد 115
إعداد: ساندرا ليين