الثمن الحقيقي، تدفعه الطبيعة والإنسان..!
ومن ناحية أخرى، تجدر الإشارة إلى أن العديد من عمليات استخراج المعادن والأحجار التي ما زالت معتمدة في بعض الأماكن حول العالم هي من العوامل الأساسية المسببة للضرر البيئي والتلوّث. فالمساحات الواسعة التي تتحوّل إلى حفر عميقة يصل عمق بعضها إلى أكثر من كيلومتر، كما يتخطى طولها وعرضها الكيلومترات أيضاً، تنتج كميات هائلة من الركام، فتشوّه بأشكالها وركامها المناظر الطبيعية وتهدر الأراضي، ولكن ليس هذا فقط، بل هناك ما هو أفظع.
فعمليات فصل الذهب الخام عن المواد الأخرى الموجودة في الكتل الصخرية المستخرجة من الأرض من شأنها أن تنتج انبعاثات للغازات السامة التي، وبحسب الدراسات، يكفي مقدار غرام واحد منها لقتل إنسان.
والجدير بالذكر أن استخراج أونصة واحدة من الذهب (200 غرام) يتم من خلال معالجة 79 طنّاً من الصخور، أي أن كمية الصخور والركام الناتجة عن هذه العملية هي هائلة، وهي تسبب تلوّثاً حقيقياً أيضاً في مياه البحار والأنهر في المناطق التي تتواجد بها بسبب قرب هذه المساحات المائية من المناجم.
وفي مواجهة هذا الأذى البيئي يعمل العلماء على تطوير طرق أخرى لاستخراج الذهب، كما وتقوم العديد من الجمعيات بتشجيع طرق استخراج الذهب من دون استعمال مواد كيميائية أو الاكتفاء بمادة الزئبق الأقل خطراً من السيناييد. وهذه العمليات يقوم بها مستخرجو الذهب المستقلون Artisanal and Small-scale Mining (ASM) الذين بطرق أكثر تقليدية، مستعملين أدوات يدوية أقل ضرراً من آليات الحفر الضخمة، وهم يبيعون “ذهبهم النظيف” إلى الدور الداعمة لجمعياتهم وحقوقهم.
ولعل الناحية الأهم من موضوعنا هي الناحية الإنسانية، فناهيك عن المستوى العالي من التلوّث البيئي الذي تسبّبه عمليات الاستخراج غير المسؤولة، يتم استغلال “الذهب المتّسخ” و”الماس الدموي” في العديد من الأحيان في تمويل تجارة الممنوعات وأعمال أخرى مُخِلّة بالأخلاق العامة وبحقوق الإنسان. كما ومن جهة أخرى، لا يستطيع مستخرجو الذهب المستقلون بيع “ذهبهم” بالأسعار العالمية نظراً إلى كون الحكومات تعطي الأفضلية للذهب الذي تنتجه المناجم الكبرى، أما عمال المناجم الكبرى فهم لا يتمتعون بأدنى الحقوق التي تضمن لهم العيش الكريم، علماً أن أغلبهم ينتمون إلى الطبقات الاجتماعية الأكثر فقراً في العالم، ويفتقرون إلى أدنى شروط السكن والنظافة والمياه الصالحة للشرب والتعليم والتوعية البيئية والصحية.
وإلى جانب تعرّضهم وعائلاتهم إلى ضرر السموم المنبعثة من أكوام الركام المسمّمة، هم أيضاً يعانون من المستوى المعدوم للأجور التي يتقاضونها، كما أن الأوضاع المعيشية السيئة تدفع بهذه العائلات المعدومة إقتصادياً إلى تشغيل أطفالها في المناجم الكبرى حيث يتعرضون إلى جميع الأخطار التي تهدد ذويهم أيضاً، ذلك وبالإضافة إلى ظروف العمل الغير منصفة الأخرى.
وذلك قد دفع بالجمعيات الخاصة بدعم ASM والتي تلتزم بمعايير “تجارة الذهب العادلة” fairtrade gold إلى إطلاق قوانين خاصة بهؤلاء العمال، تخوّلهم الحصول على شهادات مصدّقة من قبل مؤسسة Fairtrade International التي تنصّ القوانين الخاصة “بالتجارة العادلة العالمية”، مما يعطي الذهب المستخرج من قبل هؤلاء المستثمرين الصغار أولوية لدى الصائغين العالميين. كما وتشمل هذه القوانين تحديد السن القانونية للعمل في استخراج الذهب، وتُلزم أصحاب العمل بإخضاع عمالهم للتمرين اللازم للمحافظة على صحتهم سلامتهم الشخصية، وتزويدهم بالمعدات اللازمة لدرء الأخطار نسبياً عنهم، كالأقنعة والقفازات والخوذات، ألخ… كما وتدريبهم على “الإستعمال المسؤول” للمواد الكيميائية، وتجنّبها إذا أمكن.