إذا كان هناك إسم، قادر أكثر من غيره أن يربط بين سنغافورة القديمة والجديدة، ويصف تحوّلها من منطقة منعزلة هادئة إلى دولة تتمتع بقوة اقتصادية هائلة، تحتضن ماضيها الإستعماري بدلاً من رفضه بغضب، فهذا الإسم هو Fullerton. كما تشير التسمية، إن هذا الفندق العصري المبني على ضفاف نهر سنغافورة، وهي منطقة أثرية تم ترميمها خلال العقد المنصرم، يحمل إسم Sir Robert Fullerton، وهو الحاكم الإنكليزي الأول الذي ترأس مستعمرات Straits Settlements البريطانية في الجنوب الشرقي لقارة آسيا بين عاميّ 1826 و1830.
وهذا المبنى الذي أنشئ أصلاً في العام 1928، ليكون مكتباً رئيسياً لمصلحة البريد العام ويلعب دوراً مهماً في تاريخ سنغافورة (فهو ضم المكاتب الرئيسية للقوات العسكرية اليابانية بعد سقوط سنغافورة في يدها عام 1942 خلال الحرب العالمية الثانية، كما تم استعماله لاحقاً كمقر لوزارة المال، ولمجلس التنمية الإقتصادية). أما اليوم، فهذه القاعات التي ازدحمت بالماضي بأجيال من سكان البلد الذين كانوا يقصدونها لدفع فواتيرهم وضرائبهم، باتت تستقبل زائريها من رواد الفندق والمقيمين في المدينة لشرب القهوة والشاي وتناول أشهى أنواع المخبوزات. إذاً مبنى Fullerton لم يخرج من حياة أهل سنغافورة يوماً، بل هو يحافظ دوماً على دوره كجزء من نشاطهم الإجتماعي، مما يمنحه معزة خاصة لديهم.
غرف الفندق المريحة تتميّز بديكورها العصري المائل نحو الكلاسيكية، حيث تتراوح الألوان بين تدرجات الأبيض والكاراميل لتعطيك إحساساً بالاطمئنان والسلام. أما الأرصفة المجاورة للفندق، وممراتها الجميلة ومقاهيها التي أصبحت مقصداً للسواح والمقيمين في المنطقة فتستطيع بلوغها خلال دقيقتين من خلال مسلك (مُكيَّف) تحت الأرض.
إن الإستقبال الحسن لا بل الرائع هو من ميزات سنغافورة، يقابلك بها أهل البلاد أينما تواجدت على أرضها، ولكن فريق عمل Fullerton قد تجاوز أرقى مستويات الخدمة الجيدة، فأفراده يتمتعون بخبرات واسعة في مجال فن الضيافة، والملفت أنهم جميعاً موظفين من أهل البلد، وليس هناك أي عامل أجنبي في الفندق، ما يُضيف المزيد من خصوصية المكان وأصالته.
من الأماكن التي احتلت قلبي بسرعة فائقة في الفندق، المطعم الواقع على السطح ليطل من جميع زواياه على المياه، إضافة إلى Straits Club الذي كان بمثابة مكان مثالي لتناول الفطور أو الشاي في فترة بعد الظهر، أو لقضاء وقت ممتع مع الأصدقاء. ونصل إلى المنتجع الصحي الذي يمتلك كل الصفات اللازمة ليتم وصفه بالممتاز، وهو موصول بدرج داخلي إلى المساحة الخارجية التي تضم حمام السباحة الخلاب في النهار، والذي يصبح أكثر روعة في المساء حين تتم إضاءته ليبدو من دون نهاية، ويتحد مع نهر سنغافورة في مشهد ليلي هو أقرب إلى السحر.
إن الفندق الراقي الذي يقع في مدينة كبرى ينبغي عليه أن يكون بمثابة جزء لا يتجزأ منها، لا تقتصر مهمته فقط على إبراز شخصيتها بل تتخطى ذلك إلى إضافة الميزات الرائعة عليها. وهذا بالتحديد ما يبرع به فندق Fullerton.